الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }

{ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } أي حالهما ظاهرة عند من يملك الجزاء عليهما { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَـٰيَـٰكُمْ } أمروهم باتباع سبيلهم وهي طريقتهم التي كانوا عليها في دينهم، وأمروا أنفسهم بحمل خطاياهم فعطف الأمر على الأمر وأرادوا ليجتمع هذان الأمران في الحصول أن تتبعوا سبيلنا وأن نحمل خطاياكم. والمعنى تعليق الحمل بالاتباع أي إن تتبعوا سبيلنا حملنا خطاياكم، وهذا قول صناديد قريش كانوا يقولون لمن آمن منهم: لا نبعث نحن ولا أنتم، فإن كان ذلك فإنا نتحمل عنكم الإثم { وَمَا هُمْ بِحَـٰمِلِينَ مِنْ خَطَـٰيَـٰهُمْ مّن شَىْء إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على خلافه كالكاذبين الذين يعدون الشيء وفي قلوبهم نية الخلف { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ } أي أثقال أنفسهم يعني أوزارهم بسبب كفرهم { وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } أي أثقالاً أخر غير الخطايا التي ضمنوا للمؤمنين حملها وهي أثقال الذين كانوا سبباً في ضلالهم وهو كما قاللِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [النحل: 25] { وَلَيُسْـئَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } يختلقون من الأكاذيب والأباطيل.

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } كان عمره ألفاً وخمسين سنة؛ بعث على رأس أربعين ولبث في قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين. وعن وهب أنه عاش ألفاً وأربعمائة سنة فقال له ملك الموت: يا أطول الأنبياء عمراً كيف وجدت الدنيا؟ قال: كدار لها بابان دخلت وخرجت. ولم يقل تسعمائة وخمسين سنة لأنه لو قيل كذلك لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره وهذا التوهم زائل هنا فكأنه قيل: تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية العدد إلا أن ذلك أخصر وأعذب لفظاً وأملأ بالفائدة، ولأن القصة سيقت لما ابتلي به نوح عليه السلام من أمته وما كابده من طول المصابرة تسلية لنبينا عليه السلام فكان ذكر الألف أفخم وأوصل إلى الغرض. وجيء بالمميز أولاً بالسنة ثم بالعام، لأن تكرار لفظ واحد في كلام واحد حقيق بالاجتناب في البلاغة { فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ } هو ما أطاف وأحاط بكثرة وغلبة من سيل أو ظلام ليل أو نحوهما { وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ } أنفسهم بالكفر