الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ } * { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ }

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } بالثواب والعقاب وفناء الدنيا وبقاء العقبى لغابطي قارون { وَيْلَكُمْ } أصل ويلك الدعاء بالهلاك ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرضى، وفي «التبيان في إعراب القرآن» هو مفعول فعل محذوف أي ألزمكم الله ويلكم { ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لّمَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَا } أي لا يلقن هذه الكلمة وهي { ثواب الله خير } { إِلاَّ ٱلصَّـٰبِرُونَ } على الطاعات وعن الشهوات وزينة الدنيا وعلى ما قسم الله من القليل عن الكثير.

{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } كان قارون يؤذي موسى عليه السلام كل وقت وهو يداريه للقرابة التي بينهما حتى نزلت الزكاة، فصالحه عن كل ألف دينار على دينار، وعن كل ألف درهم على درهم فحسبه فاستكثره فشحت به نفسه فجمع بني إسرائيل وقال: إن موسى يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا: أنت كبيرنا فمر بما شئت قال: نبرطل فلانة البغي حتى ترميه بنفسها فترفضه بنو إسرائيل، فجعل لها ألف دينار أوطستاً من ذهب أو حكمها، فلما كان يوم عيد قام موسى فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى وهو غير محصن جلدناه وإن أحصن رجمناه. فقال قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا. قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة، فأحضرت فناشدها بالذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق فقالت: جعل لي قارون جعلاً على أن أقذفك بنفسي فخر موسى ساجداً يبكي وقال: يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي، فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك. فقال: يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون، فمن كان معه فليلزم مكانه ومن كان معي فليعتزل. فاعتزلوا جميعاً غير رجلين ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب، ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط، ثم قال: خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق، وقارون وأصحابه يتضرعون إلى موسى ويناشدونه بالله والرحم وموسى لا يلتفت إليهم لشدة غضبه ثم قال: خذيهم فانطبقت عليهم فقال الله تعالى: استغاث بك مراراً فلم ترحمه فوعزتي لو استرحمني مرة لرحمته، فقال بعض بني إسرائيل: إنما أهلكه ليرث ماله فدعا الله حتى خسف بداره وكنوزه { فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ } جماعة { يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يمنعونه من عذاب الله { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } من المنتقمين من موسى أو من الممتنعين من عذاب الله. يقال: نصره من عدوه فانتصره أي منعه منه فامتنع.