الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } * { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

{ إِنَّ قَـٰرُونَ } لا ينصرف للعجمة والتعريف ولو كان فاعولاً من قرنت الشيء لانصرف { كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ } كان إسرائيلياً ابن عم لموسى فهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، وموسى بن عمران بن قاهث، وكان يسمى المنور لحسن صورته، وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة ولكنه نافق كما نافق السامري { فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } من البغي وهو الظلم. قيل: ملكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم، أو من البغي الكبر تكبر عليهم بكثرة ماله وولده، أو زاد عليهم في الثياب شبراً { وَءَاتيناه من الكنوز ما إِنْ مَفَاتِحَهُ } «ما» بمعنى الذي في موضع نصب بـ { اتينا } و «إن» واسمها وخبرها صلة الذي ولهذا كسرت «إن». والمفاتح جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به أو مفتح بالفتح وهو الخزانة والأصوب أنها المقاليد { لَتَنُوأُ بٱلْعُصْبَةِ } لتثقل العصبة فالباء للتعدية يقال: ناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله، والعصبة الجماعة الكثيرة وكانت تحمل مفاتيح خزائنه ستون بغلاً لكل خزانة مفتاح ولا يزيد المفتاح على أصبع وكانت من جلود { أُوْلِى ٱلْقُوَّةِ } الشدة { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ } أي المؤمنون وقيل: القائل موسى عليه السلام ومحل { إذ } نصب بـ { تنوء } { لاَ تَفْرَحْ } لا تبطر بكثرة المال كقولهوَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـٰكُمْ } [الحديد: 23] ولا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن، وأما من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنه يتركها عن قريب فلا يفرح بها { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } البطرين بالمال { وَٱبْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ ٱللَّهُ } من الغنى والثروة { ٱلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ } بأن تتصدق على الفقراء وتصل الرحم وتصرف إلى أبواب الخير { وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } وهو أن تأخذ ما يكفيك ويصلحك. وقيل: معناه واطلب بدنياك آخرتك فإن ذلك حظ المؤمن منها { وَأَحْسَنُ } إلى عباد الله { كَمَا أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } أو أحسن بشكرك وطاعتك لخالق الأنام كما أحسن إليك بالإنعام { وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلأَرْضِ } بالظلم والبغي { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }.