الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } * { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }

{ ولقد وصّلنا لهم القول لعلّهم يتذكّرون } التوصيل وتكريره يعني أن القرآن أتاهم متتابعاً متواصلاً وعداً ووعيداً وقصصاً وعبراً ومواعظ ليتذكروا فيفلحوا { ٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِهِ } من قبل القرآن وخبر { الذين } { هُم بِهِ } بالقرآن { يُؤْمِنُونَ } نزلت في مؤمني أهل الكتاب { وَإِذَا يُتْلَىٰ } القرآن { عَلَيْهِمْ قَالُواْ ءامَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّنَا إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ } من قبل نزول القرآن { مُسْلِمِينَ } كائنين على دين الإسلام، مؤمنين بمحمد عليه السلام، وقوله { إنه } تعليل للإيمان به لأن كونه حقاً من الله حقيق بأن يؤمن به، وقوله { إنا } بيان لقوله { آمنا } لأنه يحتمل أن يكون إيماناً قريب العهد وبعيده فأخبروا بأن إيمانهم به متقادم { أُوْلَـئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ } بصبرهم على الإيمان بالتوراة والإيمان بالقرآن، أو بصبرهم على الإيمان بالقرآن قبل نزوله وبعد نزوله، أو بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب { وَيَدْرَءونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيّئَةَ } يدفعون بالطاعة المعصية أو بالحلم الأذى { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } يزكون { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ } الباطل أو الشتم من المشركين { أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ } للاغين { لَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ } أمان منا لكم بأن نقابل لغوكم بمثله { لاَ نَبْتَغِى ٱلْجَـٰهِلِينَ } لا نريد مخالطتهم وصحبتهم.

{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ } لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت أن يدخل فيه من قومك وغيرهم { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء } يخلق فعل الاهتداء فيمن يشاء { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } بمن يختار الهداية ويقبلها ويتعظ بالدلائل والآيات. قال الزجاج: أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وذلك أنه قال عند موته: يا معشر بني هاشم صدقوا محمداً تفلحوا. فقال عليه السلام: " «يا عم تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك» " قال: فما تريد ابن أخي؟ قال: " «أريد منك أن تقول لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله» " قال: يا ابن أخي أنا قد علمت أنك صادق ولكني أكره أن يقال جزع عند الموت. وإن كانت الصيغة عامة، والآية حجة على المعتزلة لأنهم يقولون الهدى هو البيان وقد هدى الناس أجمع ولكنهم لم يهتدوا بسوء اختيارهم فدل أن وراء البيان ما يسمى هداية وهو خلق الاهتداء وإعطاء التوفيق والقدرة