الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } * { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }

{ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَـجِرْهُ } اتخذه أجيراً لرعي الغنم. رُوي أن كبراهما كانت تسمى صفراء والصغرى صفيراء، وصفراء هي التي ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره وهي التي تزوجها { إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَـجَرْتَ ٱلْقَوِىُّ ٱلأَمِينُ } فقال: وما علمك بقوته وأمانته؟ فذكرت نزع الدلو وأمرها بالمشي خلفه. وورد الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أن أمانته وقوته أمران متحققان. وقولها { إن خير من استأجرت القوي الأمين } كلام جامع لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك، وقيل: القوي في دينه الأمين في جوارحه. وقد استغنت بهذا لكلام الجاري مجرى المثل عن أن تقول استأجره لقوته وأمانته. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أفرس الناس ثلاث: بنت شعيب وصاحب يوسف في قولهعَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا } [يوسف: 21] { قَالَ إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ } أزوجك { إِحْدَى ٱبْنَتَىَّ هَاتَيْنِ } قوله { هاتين } يدل على أنه كان له غيرها وهذه مواعدة منه ولم يكن ذلك عقد نكاح إذ لو كان عقداً لقال قد أنكحتك { عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِى } تكون أجيراً لي من أجرته إذا كنت له أجيراً { ثَمَانِىَ حِجَجٍ } ظرف والحجة السنة وجمعها حجج والتزوج على رعي الغنم جائز بالإجماع لأنه من باب القيام بأمر الزوجية فلا مناقضة بخلاف التزوج على الخدمة { فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً } أي عمل عشر حجج { فَمِنْ عِندِكَ } فذلك تفضل منك ليس بواجبة عليك، أو فإتمامه من عندك ولا أحتمه عليك ولكنك إن فعلته فهو منك تفضل وتبرع { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ } بإلزام أتم الأجلين، وحقيقة قولهم: شققت عليه وشق عليه الأمر أن الأمر إذا تعاظمك فكأنه شق عليك ظنك باثنين تقول تارة أطيقه وطوراً لا أطيقه { سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّـٰلِحِينَ } في حسن المعاملة والوفاء بالعهد، ويجوز أن يراد الصلاح على العموم ويدخل تحته حسن المعاملة. والمراد باشتراطه مشيئة الله فيما وعد من الصلاح الاتكال على توفيقه فيه ومعونته لأنه إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ذلك