الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ }

{ فَرَدَدْنَـٰهُ إِلَىٰ أُمّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } بالمقام معه { وَلاَ تَحْزَنْ } بفراقه { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي وليثبت علمها مشاهدة كما علمت خبراً. وقوله { ولا تحزن } معطوف على { تقر } وإنما حل لها ما تأخذه من الدينار كل يوم ـ كما قال السدي ـ لأنه مال حربي لا أنه أجرة على إرضاع ولدها { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } هو داخل تحت علمها أي لتعلم أن وعد الله حق، ولكن أكثر الناس لا يعلمون انه حق فيرتابون، ويشبه التعريض بما فرط منها حين سمعت بخبر موسى فجزعت.

{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } بلغ موسى نهاية القوة وتمام العقل وهو جمع شدة كنعمة وأنعم عند سيبويه { وَٱسْتَوَىٰ } واعتدل وتم استحكامه وهو أربعون سنة. ويروى أنه:« " لم يبعث نبي إلا على رأس أربعين سنة " { آتَيْنَاهُ حُكْمًا } نبوة { وَعِلْماً } فقهاً أو علماً بمصالح الدارين { وَكَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } أي كما فعلنا بموسى وأمه نفعل بالمؤمنين. قال الزجاج: جعل الله تعالى إيتاء العلم والحكمة مجازاة على الإحسان لأنهما يؤديان إلى الجنة التي هي جزاء المحسنين، والعالم الحكيم من يعمل بعلمه لأنه تعالى قال:وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [البقرة: 102] فجعلهم جهالاً إذ لم يعملوا بالعلم { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ } أي مصر { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مّنْ أَهْلِهَا } حال من الفاعل أي مختفياً وهو ما بين العشاءين أو وقت القائلة يعني انتصاف النهار. وقيل: لما شب وعقل أخذ يتكلم بالحق وينكر عليهم فأخافوه فلا يدخل المدينة إلا على تغفل { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } ممن شايعه على دينه من بني إسرائيل. قيل: هو السامري، وشيعة الرجل: أتباعه وأنصاره { وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوّهِ } من مخالفيه من القبط وهو قانون، وقيل: فيهما هذا وهذا وإن كانا غائبين على جهة الحكاية أي إذا نظر إليهما الناظر قال: هذا من شيعته وهذا من عدوه { فَٱسْتَغَـٰثَهُ } فاستنصره { ٱلَّذِى مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِى مِنْ عَدُوّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ } ضربه بجمع كفه أو بأطراف أصابعه { فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } فقتله { قَالَ هَـٰذَا } إشارة إلى القتل الحاصل بغير قصد { مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } وإنما جعل قتل الكافر من عمل الشيطان وسماه ظلماً لنفسه واستغفر منه لأنه كان مستأمناً فيهم ولا يحل قتل الكافر الحربي المستأمن، أو لأنه قتله قبل أن يؤذن له في القتل، وعن ابن جريج: ليس لنبي أن يقتل ما لم يؤمر { إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } ظاهر العداوة