الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } * { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }

{ أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ } والفرق بين «أم» و «أم» في { أما يشركون } و { أمن خلق السماوات } أن تلك متصلة إذ المعنى أيهما خير، وهذه منقطعة بمعنى «بل» والهمزة، ولما قال الله خير أم الآلهة قال بل أمن خلق السماوات والأرض خير، تقريراً لهم بأن من قدر على خلق العالم خير من جماد لا يقدر على شيء { وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً } مطراً { فَأَنبَتْنَا } صرف الكلام عن الغيبة إلى التكلم تأكيداً لمعنى اختصاص الفعل بذاته وإيذاناً بأن إنبات الحدائق المختلفة الأصناف والألوان والطعوم والأشكال مع حسنها بماء واحد لا يقدر عليه إلا هو وحده { بِهِ } بالماء { حَدَائِقَ } بساتين، والحديقة: البستان وعليه حائط من الإحداق وهو الإحاطة { ذَاتُ } ولم يقل «ذوات» لأن المعنى جماعة حدائق كما تقول النساء ذهبت { بَهْجَةٍ } حسن لأن الناظر يبتهج به. ثم رشح معنى الاختصاص بقوله { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } ومعنى الكينونة الانبغاء أراد أنّ تأتّى ذلك محال من غيره { أَءلـٰهٌ مَّعَ ٱللهِ } أغيره يقرن به ويجعل شريكاً له { بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } به غيره أو يعدلون عن الحق الذي هو التوحيد و { بل هم } بعد الخطاب أبلغ في تخطئة رأيهم.

{ أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ } وما بعده بدل من { أمن خلق } فكان حكمها حكمه { قَـرَاراً } دحاها وسواها للاستقرار عليها { وَجَعَلَ خِلاَلَهَا } ظرف أي وسطها وهو المفعول الثاني والأول { أَنْهَاراً } وبين البحرين مثله { وَجَعَلَ لَهَا } للأرض { رَوَاسِىَ } جبالاً تمنعها عن الحركة { وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ } العذب والمالح { حَاجِزاً } مانعاً أن يختلطا { أَءلـٰهٌ مَّعَ ٱللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } التوحيد فلا يؤمنون { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } الاضطرار افتعال من الضرورة وهي الحالة المحوجة إلى اللجأ. يقال اضطره إلى كذا والفاعل والمفعول مضطر، والمضطر الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى اللجأ والتضرع إلى الله، أو المذنب إذا استغفر، أو المظلوم إذا دعا، أو من رفع يديه ولم ير لنفسه حسنة غير التوحيد وهو منه على خطر { وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء } الضر أو الجور { وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء ٱلأَرْضِ } أي فيها وذلك توارثهم سكناها والتصرف فيها قرناً بعد قرن، أو أراد بالخلافة الملك والتسلط { أَءلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } وبالياء: أبو عمرو، وبالتخفيف: حمزة وعلي وحفص. و «ما» مزيدة أي تذكرون تذكراً قليلاً.