الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } * { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } * { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ }

{ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ } يديمون على فرائضها وسننها { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـوٰةَ } يؤدون زكاة أموالهم { وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } من جملة صلة الموصول. ويحتمل أن تتم الصلة عنده وهو استئناف كأنه قيل: وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هم الموقنون بالآخرة، ويدل عليه أنه عقد جملة اسمية وكرر فيها المبتدأ الذي هو { هم } حتى صار معناها وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ } بخلق الشهوة حتى رأوا ذلك حسناً كما قال:أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً } [فاطر:8] { فَهُمْ يَعْمَهُونَ } يترددون في ضلالتهم كما يكون حال الضال عن الطريق { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوء ٱلْعَذَابِ } القتل والأسر يوم بدر بما كان منهم من سوء الأعمال { وَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } أشد الناس خسراناً لأنهم لو آمنوا لكانوا من الشهداء على جميع الأمم فخسروا ذلك مع خسران النجاة وثواب الله { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْءانَ } لتؤتاه وتلقنه { مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } من عند أيّ حكيم وأيّ عليم وهذا معنى تنكيرهما، وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص وما في ذلك من لطائف حكمته ودقائق علمه.

{ إذ } منصوب بـ «اذكر» كأنه قال: على أثر ذلك خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى عليه السلام { قَالَ مُوسَىٰ لاِهْلِهِ } لزوجته ومن معه عند مسيره من مدين إلى مصر { إِنّى آنَسْتُ } أبصرت { نَاراً سَـئَاتِيكُمْ مّنْهَا بِخَبَرٍ } عن حال الطريق لأنه كان قد ضله { أو ءَاتيكم بشهابٍ } بالتنوين: كوفي أي شعلة مضيئة { قَبَسٍ } نار مقبوسة بدل أو صفة. وغيرهم { بشهاب قبس } على الإضافة لأنه يكون قبساً وغير قبس. ولا تدافع بين قوله { سآتيكم } هناولعلي آتيكم } في القصص مع أن أحدهما ترجٍ والآخر تيقن، لأن الراجي إذا قوي رجاؤه يقول سأفعل كذا وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة، ومجيئه بسين التسويف عدة لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ، أو كانت المسافة بعيدة، «بأو» لأنه بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعاً لم يعدم واحدة منها إما هداية الطريق وإما اقتباس النار ولم يدر أنه ظافر على النار بحاجتيه الكليتين وهما عز الدنيا والآخرة، واختلاف الألفاظ في هاتين السورتين والقصة واحدة دليل على جواز نقل الحديث بالمعنى، وجواز النكاح بغير لفظ التزوج. { لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } تستدفئون بالنار من البرد الذي أصابكم، والطاء بدل من تاء افتعل لأجل الصاد