الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ }

{ وورث سليمان داود } ورث منه النبوة والملك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر قالوا: أوتي النبوة مثل أبيه فكأنه ورثه وإلا فالنبوة لا تورث { وقال يا أيّها النّاس علّمنا منطق الطّير } تشهيراً لنعمة الله تعالى واعترافاً بمكانها ودعاء للناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير. والمنطق كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف المفيد وغير المفيد، وكان سليمان عليه السلام يفهم منها كما يفهم بعضها من بعض. روي أنه صاحب فاختة فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا، وصاح طاوس فقال: يقول: كما تدين تدان، وصاح هدهد فقال: يقول: استغفروا الله يا مذنبين، وصاح خطاف فقال: يقول: قدموا خيراً تجدوه. وصاحت رحمة فقال: تقول: سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه. وصاح قمري فأخبر أنه يقول: سبحان ربي الأعلى. وقال: الحدأة تقول كل شيء هالك إلا الله. والقطاة تقول من سكت سلم. والديك يقول: اذكروا الله ياغافلين والنسر يقول: يابن آدم عش ما شئت آخرك الموت. والعقاب يقول: في البعد من الناس أنس. والضفدع يقول: سبحان ربي القدوس { وأوتينا من كلّ شيءٍ } المراد به كثرة ما أوتي كما تقول فلان يعلم كل شيء ومثله { وأوتيت من كل شيء } { إنّ هذا لهو الفضل المبين } قوله وارد على سبيل الشكر كقوله عليه السلام: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " أي أقول هذا القول شكراً ولا أقوله فخراً، والنون في { علمنا } و { أوتينا } نون الواحد المطاع وكان ملكاً مطاعاً فكلم أهل طاعته على الحال التي كان عليها وليس التكبر من لوازم ذلك.