الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } * { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } * { وَٱجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } * { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ } * { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } * { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } * { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }

{ رَبّ هَبْ لِى حُكْماً } حكمة أو حكماً بين الناس بالحق أو نبوة لأن النبي عليه السلام ذو حكمة وذو حكم بين عباد الله { وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ } أي الأنبياء ولقد أجابه حيث قالوَإِنَّهُ فِى ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } [البقرة:30] { وَٱجْعَل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى ٱلآخِرِينَ } أي ثناء حسناً وذكراً جميلاً في الأمم التي تجيء بعدي فأعطي ذلك فكل أهل دين يتولونه ويثنون عليه، ووضع اللسان موضع القول لأن القول يكون به.

{ وَٱجْعَلْنِى مِن } يتعلق بمحذوف أي وارثاً من { وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } أي من الباقين فيها { وَٱغْفِرْ لأبِى } اجعله أهل المغفرة بإعطاء الإسلام وكان وعده الإسلام يوم فارقه { إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّالّينَ } الكافرين { وَلاَ تُخْزِنِى } الإخزاء من الخزي وهو الهوان أو من الخزاية وهو الحياء وهذا نحو الاستغفار كما بينا { يَوْمِ يُبْعَثُونَ } الضمير فيه للعباد لأنه معلوم، أو للضالين وأن يجعل من جملة الاستغفار لأبيه أي ولا تخزني في يوم يبعث الضالون وأبي فيهم { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ } هو بدل من يوم الأول { وَلاَ بَنُونَ } أحداً { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } عن الكفر والنفاق وقلب الكافر والمنافق مريض لقوله تعالى:فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } [البقرة: 10] أي إن المال إذا صرف في وجوه البر وبنوه صالحون فإنه ينتفع به وبهم سليم القلب، أو جعل المال والبنون في معنى الغني كأنه قيل: يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه. وقد جعل { من } مفعولاً لـ { ينفع } أي لا ينفع مال ولا بنون إلا رجلاً سلم قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله، ومع بنيه حيث أرشدهم إلى الدين وعلمهم الشرائع. ويجوز على هذا إلا من أتى الله بقلب سليم من فتنة المال والبنين. وقد صوب الجليل استثاء الخليل إكراماً له ثم جعله صفة له في قوله:وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرٰهِيمَ إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الصافات:84] وما أحسن ما رتب عليه السلام كلامه مع المشركين حيث سألهم أولاً عما يعبدون سؤال مقرر لا مستفهم، ثم أقبل على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تسمع وعلى تقليدهم آباءهم الأقدمين فأخرجه من أن يكون شبهة فضلاً عن أن يكون حجة، ثم صور المسألة في نفسه دونهم حتى تخلّص منها إلى ذكر الله تعالى فعظم شأنه وعدد نعمته من حين إنشائه إلى وقت وفاته مع ما يرجّي في الآخرة من رحمته، ثم أتبع ذلك أن دعا بدعوات المخلصين وابتهل إليه ابتهال الأوابين، ثم وصله بذكر يوم القيامة وثواب الله وعقابه وما يدفع إليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال وتمني الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا.