الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } * { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } * { قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } * { قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }

{ ففررت منكم } إلى مدين { لمّا خفتكم } أن تقتلوني وذلك حين قال له مؤمن من آل فرعونإن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج } [القصص: 20] الآية. { فوهب لي ربّي حكماً } نبوة وعلماً فزال عني الجهل والضلالة { وجعلني من المرسلين } من جملة رسله { وتلك نعمةٌ تمنّها عليّ أن عبّدتّ بني إسرائيل } كر على امتنانه عليه بالتربية فأبطله من أصله وأبى أن تسمى نعمة لأنها نقمة حيث بين أن حقيقة إنعامه عليه تعبيد بني إسرائيل لأن تعبيدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته، ولو تركهم لرباه أبواه فكأن فرعون امتن على موسى بتعبيد قومه وإخراجه من حجر أبويه إذا حققت وتعبيدهم تذليلهم واتخاذهم عبيداً. ووحد الضمير في { تمنها } و { عبدت } وجمع في { منكم } و { خفتكم } لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ولكن منه ومن ملئه المؤتمرين بقتله بدليل قولهإن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك } [القصص: 20]. وأما الامتنان فمنه وحده وكذا التعبيد. وتلك { إشارة } إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدري ما هي إلا بتفسيرها، ومحل { أن عبدت } الرفع عطف بيان لتلك أي تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها علي.

{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي إنك تدعي أنك رسول رب العالمين فما صفته لأنك إذا أردت السؤال عن صفة زيد تقول: ما زيد؟ تعني أطويل أم قصير أفقيه أم طبيب نص عليه صاحب الكشاف وغيره { قَالَ } موسى مجيباً له على وفق سؤاله { رَبّ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ } أي وما بين الجنسين { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } أي إن كنتم تعرفون الأشياء بالدليل فكفى خلق هذه الأشياء دليلاً، أو إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدي إليه النظر الصحيح نفعكم هذا الجواب وإلا لم ينفع. والإيقان العلم الذي يستفاد بالاستدلال ولذا لا يقال الله موقن

{ قَالَ } أي فرعون { لِمَنْ حَوْلَهُ } من أشراف قومه وهم خمسمائة رجل عليهم الأساور وكانت للملوك خاصة { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } معجباً قومه من جوابه لأنهم يزعمون قدمهما وينكرون حدوثهما وأن لهما رباً فاحتاج موسى إلى أن يستدل بما شاهدوا حدوثه وفناءه فاستدل حيث { قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } أي هو خالقكم وخالق آبائكم فإن لم تستدلوا بغيركم فبأنفسكم. وإنما قال { رَبّ ءابَائِكُمُ } لأن فرعون كان يدعي الربوبية على أهل عصره دون من تقدمهم.

{ قَالَ } أي فرعون { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } حيث يزعم أن في الوجود إلهاً غيري وكان فرعون ينكر إلهية غيره { قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } فتستدلون بما أقول فتعرفون ربكم، وهذا غاية الإرشاد حيث عمم أولاً بخلق السماوات والأرض وما بينهما، ثم خصص من العام للبيان أنفسهم وآباءهم لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد من أحواله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته، ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستوٍ من أظهر ما استدل به، ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الرحمن عن الاحتجاج بالأحياء والإماتة على نمروذ بن كنعان.

السابقالتالي
2