الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }

{ لّنُحْيِىَ بِهِ } بالمطر { بَلْدَةً مَّيْتاً } ذكّر { ميتاً } على إرادة البلد أو المكان { وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَـٰماً وَأَنَاسِىَّ كَثِيراً } أي ونسقي الماء البهائم والناس. و { مما خلقنا } حال من { أنعاماً وأناسي } أي أنعاماً وأناسي. مما خلقنا. وسقى أو أسقى لغتان. وقرأ المفضل والبرجمي { ونسقيه } والأناسي جمع إنسي على القياس ككرسي وكراسي، أو إنسان وأصله أناسين كسرحان وسراحين فأبدلت النون ياء وأدغمت. وقدم إحياء الأرض على سقي الأنعام والأناسي لأن حياتها سبب لحياتهما، وتخصيص الأنعام من الحيوان الشارب لأن عامة منافع الأناسي متعلقة بها فكأن الإنعام عليها بسقي الإنعام كالأنعام بسقيهم، وتنكير الأنعام والأناسي ووصفها بالكثرة لأن أكثر الناس منيخون بالقرب من الأودية والأنهار فيهم غنية عن سقي السماء وأعقابهم وبقاياهم كثير يعيشون بما ينزل الله من رحمته، وتنكير البلدة لأنه يريد بعض بلاد هؤلاء المتبعدين عن مظان الماء. ولما سقي الأناسي من جملة ما أنزل له الماء وصفه بالطهور إكراماً لهم، وبيان أن من حقهم أن يؤثروا الطهارة في بواطنهم وظواهرهم لأن الطهورية شرط الإحياء.

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَـٰهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ } { ليذكروا } حمزة وعلي يريد ولقد صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب المنزلة على الرسل، وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر ليتفكروا ويعتبروا ويعرفوا حق النعمة فيه فيشكروا { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا } فأبى أكثرهم إلا كفران النعمة وجحودها وقلة الاكتراث لها. أو صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل وجود ورذاذ وديمة، فأبوا إلا الكفور وأن يقولوا مطرنا بنوء كذا ولا يذكروا صنع الله تعالى ورحمته. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما من عام أقل مطراً من عام ولكن الله يصرفه حيث يشاء وقرأ الآية. وروي أن الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره في كل عام لأنه لا يختلف ولكن يختلف فيه البلاد، وينتزع من هنا جواب في تنكير البلدة والأنعام والأناسي. ومن نسب الأمطار إلى الأنواء وجحد أن تكون هي والأنواء من خلق الله تعالى كفر، وإن رأى أن الله تعالى خالقها وقد نصب الأنواء أمارات ودلالات عليها لم يكفر