الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً }

{ وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِبَاساً } جعل الظلام الساتر كاللباس { وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً } راحة لأبدانكم وقطعاً لأعمالكم، والسبت القطع والنائم مسبوت لأنه انقطع عمله وحركته. وقيل: السبات الموت والمسبوت الميت لأنه مقطوع الحياة وهو كقوله تعالىوَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ } [الأنعام: 60] ويعضده ذكر النشور في مقابلته { وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } إذ النشور انبعاث من النوم كنشور الميت أن ينشر فيه الخلق للمعاش. وهذه الآية مع دلالتها على قدرة الخالق فيها إظهار لنعمته على خلقه لأن في الاحتجاب بستر الليل فوائد دينية ودنيوية، وفي النوم واليقظة المشبهين بالموت والحياة عبرة لمن اعتبر. وقال لقمان لابنه: كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنشر.

{ وَهُوَ ٱلَّذِى أَرْسَلَ ٱلرّيَـٰحَ } { الريح } مكي والمراد به الجنس { بُشَرًا } تخفيف بشر جمع بشور { بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ } أي قدام المطر لأنه ريح ثم سحاب ثم مطر وهذه استعارة مليحة { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء } مطراً { طَهُوراً } بليغاً في طهارته. والطهور صفة كقولك «ماء طهور» أي طاهر، واسم كقولك لما يتطهر به طهور كالوضوء والوقود لما يتوضأ به وتوقد به النار، ومصدر بمعنى التطهر كقولك تطهرت طهوراً حسناً ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " لا صلاة إلا بطهور " أي بطهارة. وما حكي عن ثعلب هو ما كان طاهراً في نفسه مطهراً لغيره وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى إن كان هذا بيان زيادة الطهارة فحسن ويعضده قوله تعالىوَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن ٱلسَّمَاء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ } [الأنفال: 11] وإلا فليس فعول من التفعيل في شيء، وقياسه على ما هو مشتق من الأفعال المتعدية كقطوع ومنوع غير سديد لأن بناء الفعول للمبالغة، فإن كان الفعل متعدياً فالفعول متعد وإن كان لازماً فلازم