الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } * { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } * { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً }

{ وَقَوْمَ نُوحٍ } أي ودمرنا قوم نوح { لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ } يعني نوحاً وإدريس وشيثاً أو كان تكذيبهم لواحد منهم تكذيباً للجميع { أَغْرَقْنَـٰهُمْ } بالطوفان { وَجَعَلْنَـٰهُمْ } وجعلنا إغراقهم أو قصتهم { لِلنَّاسِ ءايَةً } عبرة يعتبرون بها { وَأَعْتَدْنَا } وهيأنا { لّلظَّـٰلِمِينَ } لقوم نوح وأصله وأعتدنا لهم إلا أنه أراد تظليمهم فأظهر، أو هو عام لكل من ظلم ظلم شرك ويتناولهم بعمومه { عَذَاباً أَلِيماً } أي النار { وَعَاداً } دمرنا عاداً { وَثَمُودَ } حمزة وحفص على تأويل القبيلة وغيرهما، وثموداً على تأويل الحي أو لأنه اسم الأب الأكبر { وَأَصْحَـٰبُ ٱلرَّسّ } هم قوم شعيب كانوا يعبدون الأصنام فكذبوا شعيباً فبيناهم حول الرس ـ وهي البئر غير مطوية ـ انهارت بهم فخسف بهم وبديارهم، وقيل: الرس قرية قتلوا نبيهم فهلكوا، أو هم أصحاب الأخدود والرس الأخدود { وَقُرُوناً } وأهلكنا أمماً { بَيْنَ ذٰلِكَ } المذكور { كَثِيراً } لا يعلمها إلا الله أرسل إليهم فكذبوهم فأهلكوا { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ } بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين { وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } أي أهلكنا إهلاكاً، { وَكُلاًّ } الأول منصوب بما دل عليه { ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ } وهو أنذرنا أو حذرنا والثاني بـ { تبرنا } لأنه فارغ له.

{ وَلَقَدْ أَتَوْا } يعني أهل مكة { عَلَى ٱلْقَرْيَةِ } سدوم وهي أعظم قرى قوم لوط وكانت خمساً أهلك الله أربعاً مع أهلها وبقيت واحدة { ٱلَّتِى أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْء } أي أمطر الله عليها الحجارة يعني أن قريشاً مروا مراراً كثيرة في متاجرهم إلى الشام على تلك القرية التي أهلكت بالحجارة من السماء، { ومطر السوء } مفعول ثانٍ والأصل أمطرت القرية مطراً، أو مصدر محذوف الزوائد أي إمطار السوء { أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا } أما شاهدوا ذلك بأبصارهم عند سفرهم الشام فيتفكروا فيؤمنوا { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } بل كانوا قوماً كفرة بالبعث لا يخافون بعثاً فلا يؤمنون، أو لا يأملون نشوراً كما يأمله المؤمنون لطمعهم في الوصول إلى ثواب أعمالهم