الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ يُقَلّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } يصرفهما في الاختلاف طولاً وقصراً والتعاقب { إِنَّ فِى ذَلِكَ } في إزجاء السحاب وإنزال الودق والبرد وتقليب الليل والنهار { لَعِبْرَةً لأَِوْلِى ٱلأَبْصَـٰرِ } لذوي العقول. وهذا من تعديد الدلائل على ربوبيته حيث ذكر تسبيح من في السماوات والأرض وما يطير بينهما ودعاءهم له وتسخير السحاب إلى آخر ما ذكر، فهي براهين لائحة على وجوده ودلائل واضحة على صفاته لمن نظر وتدبر. ثم بين دليلاً آخر فقال تعالى.

{ وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ } { خالق كل } حمزة وعلي { دَابَّةٍ } كل حيوان يدب على وجه الأرض { مِن مَّاء } أي من نوع من الماء مختص بتلك الدابة أو من ماء مخصوص وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات من النطفة فمنها هوام ومنها بهائم ومنها أناسي وهو كقولهيُسْقَىٰ بِمَاء وٰحِدٍ وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلأكُلِ } [الرعد: و] هذا دليل على أن لها خالقاً ومدبراً وإلا لم تختلف لإتفاق الأصل. وإنما عرف الماء في قوله:وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَاء كُلَّ شَىْء حَىّ } [الأنبياء: 30] لأن المقصود ثم أن أجناس الحيوان مخلوقة من جنس الماء وأنه هو الأصل وإن تخللت بينه وبينها وسائط. قالوا: إن أول ما خلق الله الماء فخلق منه النار والريح والطين، فخلق من النار الجن، ومن الريح الملائكة، ومن الطين آدم ودواب الأرض، ولما كانت الدابة تشمل المميز وغير المميز غلب المميز فأعطى ما وراءه حكمه كأن الدواب كلهم مميزون فمن ثم قيل { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ بَطْنِهِ } كالحية والحوت. وسمي الزحف على البطن مشياً استعارة كما يقال في الأمر المستمر قد مشى هذا الأمر، أو على طرائق المشاكلة لذكر الزاحف مع الماشين { وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ رِجْلَيْنِ } كالإنسان والطير { وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ أَرْبَعٍ } كالبهائم وقدم ما هو أعرق في القدرة وهو الماشي بغير آلة مشي من أرجل أو غيرها ثم الماشي على رجلين ثم الماشي على أربع { يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَاء } كيف يشاء { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } لا يتعذر عليه شيء.