الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

{ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ } أي يسبحون ويخافون ليجزيهم الله أحسن جزاء أعمالهم أي ليجزيهم ثوابهم مضاعفاً ويزيدهم على الثواب الموعود على العمل تفضلاً { وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي يثيب من يشاء ثواباً لا يدخل في حساب الخلق.

هذه صفات المهتدين بنور الله فأما الذين ضلوا عنه فالمذكورون في قوله { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَـٰلُهُمْ كَسَرَابٍ } هو ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهر يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري { بِقِيعَةٍ } بقاع أو جمع قاع وهو المنبسط المستوي من الأرض كجيرة في جار { يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْانُ } يظنه العطشان { مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءهُ } أي جاء إلى ما توهم أنه ماء { لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } كما ظنه { وَوَجَدَ ٱللَّهَ } أي جزاء الله كقولهيجد الله غفوراً رحيماً } [النساء: 110] أي يجد مغفرته ورحمته { عِندَهُ } عند الكافر { فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ } أي أعطاه جزاء عمله وافياً كاملاً. وحد بعد تقدم الجمع حملاً على كل واحد من الكفار { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } لأنه لا يحتاج إلى عد وعقد ولا يشغله حساب عن حساب، أو قريب حسابه لأن ما هو آتٍ قريب شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان ولا يتبع الحق من الأعمال الصالحة التي يحسبها تنفعه عند الله وتنجيه من عذابه، ثم يخيب في العاقبة أمله ويلقى خلاف ما قدر بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه عطش يوم القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجد ما رجاه ويجد زبانية الله عنده يأخذونه فيعتلونه إلى جهنم فيسقونه الحميم والغساق وهم الذين قال الله فيهم:عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [الكهف: 104]قيل: نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية كان يترهب ملتمساً للدين في الجاهلية فلما جاء الإسلام كفر.