الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ } وليجتهدوا في العفة كأن المستعف طالب من نفسه العفاف { لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً } استطاعة تزوج من المهر والنفقة { حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } حتى يقدرهم على المهر والنفقة. قال عليه الصلاة والسلام " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " فانظر كيف رتب هذه الأوامر، فأمر أولاً بما يعصم من الفتنة ويبعد عن مواقعة المعصية وهو غض البصرد ثم بالنكاح المحصن للدين المغني عن الحرام، ثم بعزة النفس الأمارة بالسوء عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح إلى أن تقدر عليه.

{ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } أي المماليك الذين يطلبون الكتابة فـ { الذين } مرفوع بالابتداء أو منصوب بفعل يفسره { فَكَـٰتِبُوهُمْ } وهو للندب ودخلت الفاء لتضمنه معنى الشرط. والكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة وهو أن يقول لمملوكه: كاتبتك على ألف درهم. فإن أداها عتق ومعناه كتبت لك على نفسي أن تعتق مني إذا وفيت بالمال، وكتبت لي على نفسك أن تفي بذلك. أو كتبت عليك الوفاء بالمال وكتبت عليّ العتق، ويجوز حالاً ومؤجلاً ومنجماً وغير منجم لإطلاق الأمر { إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } قدرة على الكسب أو أمانة وديانة والندبية معلقة بهذا الشرط { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } أمر للمسلمين على وجه الوجوب بإعانة المكاتبين وإعطائهم سهمهم من الزكاة لقوله تعالىوَفِي ٱلرّقَابِ } [البقرة: 177] وعند الشافعي رحمه الله: معناه حطوا من بدل الكتابة ربعاً. وهذا عندنا على وجه الندب والأول الوجه لأن الإيتاء هو التمليك فلا يقع على الحط. سأل صبيح مولاه حويطباً أن يكاتبه فأبى فنزلت.

واعلم أن العبيد أربعة: قن مقتنى للخدمة، ومأذون في التجارة، ومكاتب، وآبق. فمثال الأول ولي العزلة الذي حصل العزلة بإيثار الخلوة وترك العشرة، والثاني ولي العشرة فهو نجي الحضرة يخالط الناس للخبرة وينظر إليهم بالعبرة ويأمرهم بالعبرة فهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم بحكم الله ويأخذ لله ويعطي في الله ويفهم عن الله ويتكلم مع الله، فالدنيا سوق تجارته، والعقل رأس بضاعته، والعدل في الغضب والرضا ميزانه، والقصد في الفقر والغنى عنوانه، والعز مفزعه ومنحاه، والقرآن كتاب الإذن من مولاه، هو كائن في الناس بظواهره، بائن منهم بسرائره، فقد هجرهم فيما له عليهم في الله باطناً، ثم وصلهم فيما لهم عليه لله ظاهراً
وما هو منهمو بالعيش فيهم   ولكن معدن الذهب الرغام
يأكل ما يأكلون ويشرب ما يشربون، وما يدريهم أنه ضعيف الله يرى السماوات والأرض قائمات بأمره وكأنه قيل فيه
فإن تفق الأنام وأنت منهم   فإن المسك بعض دم الغزال

السابقالتالي
2