الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

مدنية وهي ستون وأربع آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

{ سُورَةٌ } خبر مبتدأ محذوف أي هذه سورة { أَنزَلْنَـٰهَا } صفة لها. وقرأ طلحة { سورةً } على «زيدا ضربته» أو على «اتل سورة». والسورة الجامعة لجمل آيات بفاتحة لها وخاتمة واشتقاقها من سور المدينة { وَفَرَضْنَـٰهَا } أي فرضنا أحكامها التي فيها. وأصل الفرض القطع أي جعلناها مقطوعاً بها. وبالتشديد: مكي وأبو عمرو للمبالغة في الإيجاب وتوكيده، أو لأن فيها فرائض شتى، أو لكثرة المفروض عليهم من السلف ومن بعدهم { وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِْنَاتٍ } أي دلائل واضحات { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } لكي تتعظوا. وبتخفيف الذال: حمزة وعلي وخلف وحفص. ثم فصل أحكامها فقال { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى } رفعهما على الابتداء والخبر محذوف أي فيما فرض عليكم الزانية والزاني أي جلدهما، أو الخبر { فاجلدوا } ودخلت الفاء لكون الألف واللام بمعنى الذي وتضمينه معنى الشرط وتقديره: التي زنت والذي زنى فاجلدوهما كما تقول من زنى فاجلدوه. وكقوله:وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَٱجْلِدُوهُمْ } [النور: 4]. وقرأ عيسى بن عمر بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وهو أحسن من { سورة أنزلناها } لأجل الأمر.

{ فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ } الجلد ضرب الجلد وفيه إشارة إلى أنه لا يبالغ ليصل الألم إلى اللحم. والخطاب للأئمة لأن إقامة الحد من الدين وهي على الكل إلا أنهم لا يمكنهم الاجتماع فينوب الإمام منابهم، وهذا حكم حر ليس بمحصن إذ حكم المحصن الرجم وشرائط إحصان الرجم: الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والتزوج بنكاح صحيح والدخول. وهذا دليل على أن التغريب غير مشروع لأن الفاء إنما يدخل على الجزاء وهو اسم للكافي، والتغريب المروي منسوخ بالآية كما نسخ الحبس والأذى في قولهفَأَمْسِكُوهُنَّ فِى ٱلْبُيُوتِ } وقولهفَـئَاذُوهُمَا } [النساء: 15] بهذه الآية { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } أي رحمة والفتح لغة وهي قراءة مكي. وقيل: الرأفة في دفع المكروه والرحمة في إيصال المحبوب. والمعنى أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين الله ولا يأخذهم اللين في استيفاء حدوده فيعطلوا الحدود أو يخففوا الضرب { فِى دِينِ ٱللَّهِ } أي في طاعة الله أو حكمه { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } من باب التهييج وإلهاب الغضب لله ولدينه، وجواب الشرط مضمر أي فاجلدوا ولا تعطلوا الحد { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا } وليحضر موضع حدهما وتسميته عذاباً دليل على أنه عقوبة { طَائِفَةٌ } فرقة يمكن أن تكون حلقة ليعتبروا وينزجر هو وأقلها ثلاثة أو أربعة وهي صفة غالبة كأنها الجماعة الحافة حول شيء. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أربعة إلى أربعين رجلاً { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } من المصدقين بالله.