الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } * { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }

{ وَلَوْلاَ } وهلا { إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا } فصل بين لولا و { قُلْتُمْ } بالظرف لأن للظروف شأناً وهو تنزلها من الأشياء منزلة أنفسها لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها فلذا يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها. وفائدة تقديم الظرف أنه كان الواجب عليهم أن يتفادوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به، فلما كان ذكر الوقت أهم قدم، والمعنى هلا قلتم إذ سمعتم الإفك ما يصح لنا أن نتكلم بهذا { سُبْحَـٰنَكَ } للتعجب من عظم الأمر ومعنى التعجب في كلمة التسبيح أن الأصل أن يسبح الله عن رؤية العجيب من صنائعه، ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه، أو لتنزيه الله من أن تكون حرمة نبيه فاجرة. وإنما جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون فاجرة لأن النبي مبعوث إلى الكفار ليدعوهم فيجب أن لا يكون معه ما ينفرهم عنه والكفر غير منفر عندهم، وأما الكشخنة فمن أعظم المنفرات { هَـٰذَا بُهْتَـٰنٌ } زور تبهت من يسمع { عظِيمٌ } وذكر فيما تقدم هذا إفك مبين، ويجوز أن يكونوا أمروا بهما مبالغة في التبري { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ } في أن تعودوا { لِمِثْلِهِ } لمثل هذا الحديث من القذف أو استماع حديثه { أَبَدًا } ما دمتم أحياء مكلفين { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فيه تهييج لهم ليتعظوا وتذكير بما يوجب ترك العود وهو الإيمان الصادّ عن كل قبيح

{ وَيُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَـٰتِ } الدلالات الواضحات وأحكام الشرائع والآداب الجميلة { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بكم وبأعمالكم { حَكِيمٌ } يجزي على وفق أعمالكم أو علم صدق نزاهتها وحكم ببراءتها.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي ما قبح جداً، والمعنى يشيعون الفاحشة عن قصد الإشاعة ومحبة لها { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى ٱلدُّنْيَا } بالحد. ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي وحساناً ومسطحاً الحد { وَٱلآخِرَةِ } بالنار وعدها إن لم يتوبوا { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } بواطن الأمور وسرائر الصدور { وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أي أنه قد علم محبة من أحب الإشاعة وهو معاقبه عليها