الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } * { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } * { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ } * { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }

{ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى } بالخصلة التي { هِىَ أَحْسَنُ ٱلسَّيّئَةَ } هو أبلغ من أن يقال بالحسنة السيئة لما فيه من التفضيل كأنه قال: ادفع بالحسنى السيئة والمعنى أصفح عن إساءتهم ومقابلتها بما أمكن من الاحسان، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هي شهادة أن لا إله إلا الله. والسيئة: الشرك أو الفحش بالسلام أو المنكر بالموعظة. وقيل: هي منسوخة بآية السيف. وقيل: محكمة إذ المداراة محثوث عليها ما لم تؤد إلى ثلم دين { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } من الشرك أو بوصفهم لك وسوء ذكرهم فنجازيهم عليه { وَقُلْ رَّبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّيـٰطِينِ } من وساوسهم ونخساتهم، والهمزة: النخس، والهمزات جمع الهمزة ومنه مهماز الرائض، والمعنى أن الشياطين يحثون الناس على المعاصي كما تهمز الراضة الدواب حثاً لها على المشي { وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَن يَحْضُرُونِ } أمر بالتعوذ من نخساتهم بلفظ المبتهل إلى ربه المكرر لندائه وبالتعوذ من أن يحضروه أصلاً أو عند تلاوة القرآن أو عند النزع { حَتَّىٰ إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ } «حتى» تتعلق بـ { يصفون } أي لا يزالون يشركون إلى وقت مجيء الموت، أو لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت وما بينهما مذكور على وجه الاعتراض، والتأكيد للإغضاء عنهم مستعيناً بالله على الشيطان أن يستنزله عن الحلم ويغريه على الانتصار منهم { قَالَ رَبّ ٱرْجِعُونِ } أي ردوني إلى الدنيا خاطب الله بلفظ الجمع للتعظيم كخطاب الملوك { لَعَلّى أَعْمَلُ صَـٰلِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } في الموضع الذي تركت وهو الدنيا لأنه ترك الدنيا وصار إلى العقبى، قال قتادة: ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة ولكن ليتدارك ما فرط. { لعلي } ساكنة الياء كوفي وسهل ويعقوب { كَلاَّ } ردع عن طلب الرجعة وإنكار واستبعاد { إِنَّهَا كَلِمَةٌ } المراد بالكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض وهو قوله: { رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } { هُوَ قَائِلُهَا } لا محالة لا يخليها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة والندم عليه { وَمِن وَرَائِهِمْ } أي أمامهم والضمير للجماعة { بَرْزَخٌ } حائل بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } لم يرد أنهم يرجعون يوم البعث وإنما هو إقناط كلي لما علم أن لا رجوع بعد البعث إلا إلى الآخرة.