الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } * { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } * { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } * { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }

{ لاَ تَجْـئَرُواْ ٱلْيَوْمَ } فإن الجؤار غير نافع لكم { إِنَّكُمْ مّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } أي من جهتنا لا يلحقكم نصر أو معونة.

{ قَدْ كَانَتْ ءايَـتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي القرآن { فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ تَنكِصُونَ } ترجعون القهقرى والنكوص أن يرجع القهقرى وهو أقبح مشية لأنه لا يرى ما وراءه

{ مُسْتَكْبِرِينَ } متكبرين على المسلمين حال من { تنكصون } { بِهِ } بالبيت أو بالحرم لأنهم يقولون لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم، والذي سوغ هذا الإضمار شهرتهم بالاستكبار بالبيت أو بـ { آياتي } لأنها في معنى كتابي، ومعنى استكبارهم بالقرآن تكذيبهم به استكباراً. ضمن مستكبرين معنى مكذبين فعدي تعديته أو يتعلق الباء بقوله { سَـٰمِراً } تسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه، وكانوا يجتمعون حول البيت يسمرون وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته شعراً وسحراً. والسامر نحو الحاضر في الإطلاق على الجمع وقرىء { سمّارا }. أو بقوله { تَهْجُرُونَ } وهو من الهجر الهذيان { تهجرون }: نافع من أهجر في منطقه إذا فحش { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ } أفلم يتدبروا القرآن ليعلموا أنه الحق المبين فيصدقوا به وبمن جاء به { أم جَآءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءابَاءهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } بل أجاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين فلذلك أنكروه واستبدعوه { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ } محمداً بالصدق والأمانة ووفور العقل وصحة النسب وحسن الأخلاق أي عرفوه بهذه الصفات { فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } بغياً وحسداً { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } جنون وليس كذلك لأنهم يعلمون أنه أرجحهم عقلاً وأثقبهم ذهناً { بَلْ جَاءهُمْ بِٱلْحَقّ } الأبلج والصراط المستقيم وبما خالف شهواتهم وأهواءهم وهو التوحيد والإسلام ولم يجدوا له مرداً ولا مدفعاً فلذلك نسبوه إلى الجنون { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقّ كَـٰرِهُونَ } وفيه دليل على أن أقلهم ما كان كارهاً للحق بل كان تاركاً للإيمان به أنفة واستنكافاً من توبيخ قومه وأن يقولوا صبأ وترك دين آبائه كأبي طالب.