الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } * { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } * { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ }

{ ثُمَّ أَنشَأْنَا } خلقنا { مّن بَعْدِهِمْ } من بعد نوح { قرناً آخرين } هم عاد قوم هود ويشهد له قول هودوَٱذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } [الأعراف:69] ومجيء قصة هود على أثر قصة نوح في «الأعراف» و «هود» و «الشعراء» { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ } الإرسال يعدى بـ «إلى» ولم يعد بـ «في» هنا وفي قولهكَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِى أُمَّةٍ } [الرعد: 30]وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ } [الأعراف: 94] ولكن الأمة والقرية جعلت موضعا للإرسال كقول رؤبة:
أرسلت فيها مصعباً ذا إقحام   
{ رَسُولاً } هو هود { مِنْهُمْ } من قومهم { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } «أن» مفسرة لـ { أرسلنا } أي قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا الله.

{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ } ذكر مقالة قوم هود في جوابه في «الأعراف» وهود بغير واو لأنه على تقدير سؤال سائل قال: فما قال قومه؟ فقيل له: قالوا كيت وكيت، وههنا مع الواو لأنه عطف لما قالوه على ما قاله الرسول، ومعناه أنه اجتمع في الحصول هذا الحق وهذا الباطل وليس بجواب للنبي صلى الله عليه وسلم متصل بكلامه ولم يكن بالفاء، وجيء بالفاء في قصة نوح لأنه جواب لقوله واقع عقيبه { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } صفة للملأ أو لقومه { وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء ٱلآخِرَةِ } أي بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب وغير ذلك { وَأَتْرَفْنَـٰهُمْ } ونعمناهم { في الحياة الدنيا } بكثرة الأموال والأولاد { مَا هَـٰذَا } أي النبي { إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } أي منه فحذف لدلالة ما قبله عليه أي من أين يدعي رسالة الله من بينكم وهو مثلكم { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مّثْلَكُمْ } فيما يأمركم به وينهاكم عنه { إِنَّكُمْ إِذاً } واقع في جزاء الشرط وجواب للذين قاولوهم من قومهم { لَّخَـٰسِرُونَ } بالانقياد لمثلكم، ومن حمقهم أنهم أبوا اتباع مثلهم وعبدوا أعجز منهم.