الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } * { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }

{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } خرجوا من أوطانهم مجاهدين { ثُمَّ قُتِلُواْ } شامي { أَوْ مَاتُواْ } حتف أنفهم { لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً } قيل: الرزق الحسن الذي لا ينقطع أبداً { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرازِقِينَ } لأنه المخترع للخلق بلا مثال، المتكفل للرزق بلا ملال { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً } بفتح الميم مدني والمراد الجنة { يَرْضَوْنَهُ } لأن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ } بأحوال من قضى نحبه مجاهداً، وآمال من مات وهو ينتظر معاهداً { حَلِيمٌ } بإمهال من قاتلهم معانداً. رُوي أن طوائف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبي الله: هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا معك؟ فأنزل الله هاتين الآيتين.

{ ذٰلِكَ } أي الأمر ذلك وما بعده مستأنف { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } سمي الابتداء بالجزاء عقوبة لملابسته له من حيث إنه سبب وذلك مسبب عنه { ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ } أي من جازى بمثل ما فعل به من الظلم ثم ظلم بعد ذلك فحق على الله أن ينصره { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ } يمحو آثار الذنوب { غَفُورٌ } يستر أنواع العيوب. وتقرير الوصفين بسياق الآية أن المعاقب مبعوث من عند الله على العفو وترك العقوبة بقولهفَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } [الشورى: 40]وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [البقرة: 237] فحيث لم يؤثر ذلك وانتصر فهو تارك للأفضل وهو ضامن لنصره في الكرة الثانية إذا ترك العفو وانتقم من الباغي، وعرف مع ذلك بما كان أولى به من العفو بذكر هاتين الصفتين، أو دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده كما قيل «العفو عند القدرة».