الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } * { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } * { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ }

{ حُنَفَاء للَّهِ } مسلمين { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } حال كحنفاء { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ } سقط { مّنَ ٱلسَّمَاء } إلى الأرض { فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ } أي تسلبه بسرعة { فتخطّفه } أي تتخطفه مدني { أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرّيحُ } أي تسقطه والهوي السقوط { فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ } بعيد. يجوز أن يكون هذا تشبيهاً مركباً، ويجوز أن يكون مفرقاً. فإن كان تشبيهاً مركباً فكأنه قال: من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكاً ليس بعده بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير فتفرق قطعاً في حواصلها، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة. وإن كان مفرقاً فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء، والذي أشرك بالله بالساقط من السماء. والأهواء المردية بالطير المتخطفة والشيطان الذي هو يوقعه في الضلال بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة.

{ ذٰلِكَ } أي الأمر ذلك { وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ } تعظيم الشعائر وهي الهدايا لأنها من معالم الحج أن يختارها عظام الأجرام حساناً ثماناً غالية الأثمان { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات. وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى { لَكُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ } من الركوب عند الحاجة وشرب ألبانها عند الضرورة { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } إلى أن تنحر { ثُمَّ مَحِلُّهَا } أي وقت وجوب نحرها منتهية { إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت إذ الحرم حريم البيت ومثله في الاتساع قولك «بلغت البلد» وإنما اتصل مسيرك بحدوده. وقيل: الشعائر المناسك كلها وتعظيمها إتمامها ومحلها إلى البيت العتيق يأباه { وَلِكُلّ أُمَّةٍ } جماعة مؤمنة قبلكم { جَعَلْنَا مَنسَكًا } حيث كان بكسر السين بمعنى الموضع: علي وحمزة أي موضع قربان. وغيرهما: بالفتح على المصدر أي إراقة الدماء وذبح القرابين { لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } دون غيره { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } أي عند نحرها وذبحها { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } أي اذكروا على الذبح اسم الله وحده فإن إلهكم إله واحد، وفيه دليل على أن ذكر اسم الله شرط الذبح يعني أن الله تعالى شرع لكل أمة أن ينسكوا له أي يذبحوا له على وجه التقرب، وجعل العلة في ذلك أن يذكر اسمه تقدست أسماؤه على النسائك. وقوله { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } أي أخلصوا له الذكر خاصة واجعلوه له سالماً أي خالصاً لا تشوبوه بإشراك { وَبَشّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } المطمئنين بذكر الله أو المتواضعين الخاشعين من الخبت وهو المطمئن من الأرض. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا. وقيل: تفسيره ما بعده أي