الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ }

{ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } ثم ليزيلوا عنهم أدرانهم كذا قاله نفطويه. قيل: قضاء التفث قص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد، والتفث: الوسخ والمراد قضاء إزالة التفث. وقال ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما: قضاء التفث مناسك الحج كلها { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } مواجب حجهم والعرب تقول لكل من خرج عما وجب عليه: وفى بنذره وإن لم ينذر، أو ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم، { وليوفوا } بسكون اللام والتشديد: أبو بكر { وَلْيَطَّوَّفُواْ } طواف الزيارة الذي هو ركن الحج ويقع به تمام التحلل. اللامات الثلاث ساكنة عند غير ابن عياش وأبي عمرو { بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } القديم لأنه أول بيت وضع للناس بناه آدم ثم جدده إبراهيم، أو الكريم ومنه عتاق الخيل لكرائمها، وعتاق الرقيق لخروجه من ذل العبودية إلى كرم الحرية، أو لأنه أعتق من الغرق لأنه رفع زمن الطوفان، أو من أيدي الجبابرة؛ كم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله، أو من أيدي الملاك فلم يملك قط وهو مطاف أهل الغبراء كما أن العرش مطاف أهل السماء، فإن الطالب إذا هاجته معية الطرب وجذبته جواذب الطلب جعل يقطع مناكب الأرض مراحل ويتخذ مسالك المهالك منازل، فإذا عاين البيت لم يزده التسلي به إلا اشتياقاً ولم يفده التشفي باستلام الحجر إلا احتراقاً، فيرده الأسف لهفان ويردده اللهف حوله في الدوران، وطواف الزيارة آخر فرائض الحج الثلاث، وأولها الإحرام وهو عقد الالتزام يشبه الاعتصام بعروة الإسلام حتى لا يرتفض بارتكاب ما هو محظور فيه ويبقى عقده مع ما يفسده وينافيه، كما أن عقد الإسلام لا ينحل بازدحام الآثام وترتفع ألف حوبة بتوبة. وثانيها الوقوف بعرفات بسمة الابتهال في صفة الاهتبال، وصدق الاعتزال عن دفع الاتكال على مراتب الأعمال وشواهد الأحوال.