الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } * { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } * { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ }

{ وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ } أي القيامة وجواب { إذا } { فَإِذَا هِىَ } وهي «إذا» المفاجأة وهي تقع في المجازاة سادة مسد الفاء كقولهإِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } [الروم: 36] فإذا جاءت الفاء معها تعاونتاً على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد، ولو قيل فهي شاخصة أو إذا هي شاخصة كان سديداً وهي ضمير مبهم يوضحه الأبصار ويفسره { شَـٰخِصَةٌ أَبْصَـٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي مرتفعة الأجفان لا تكاد تطرف من هول ما هم فيه { يٰوَيْلَنَا } متعلق بمحذوف تقديره يقولون يا ويلنا و { يقولون } حال من { الذين كفروا } { قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَةٍ مّنْ هَـٰذَا } اليوم { بَلْ كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } بوضعنا العبادة في غير موضعها.

{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني الأصنام وإبليس وأعوانه لأنهم بطاعتهم لهم واتباعهم خطواتهم في حكم عبدتهم { حَصَبُ } حطب وقرىء { حطب } { جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } فيها داخلون { لَوْ كَانَ هَـؤُلاء ءالِهَةً } كما زعمتم { مَّا وَرَدُوهَا } ما دخلوا النار { وَكُلٌّ } أي العابد والمعبود { فِيهَا } في النار { خَـٰلِدُونَ لَهُمْ } للكفار { فِيهَا زَفِيرٌ } أنين وبكاء وعويل.

{ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } شيئاً ما لأنهم صاروا صماً وفي السماع نوع أنس فلم يعطوه.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن وهي السعادة أو البشرى بالثواب أو التوفيق للطاعة فنزلت جواباً لقول ابن الزبعري عند تلاوته عليه السلام على صناديد قريش { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } إلى قوله { خالدون } أليس اليهود عبدوا عزيراً، والنصارى المسيح، وبنو مليح الملائكة على أن قوله { وما تعبدون } لا يتناولهم لأن «ما» لمن لا يعقل إلا أنهم أهل عناد فزيد في البيان { أُوْلَـٰئِكَ } يعني عزيراً والمسيح والملائكة { عَنْهَا } عن جهنم { مُبْعَدُونَ } لأنهم لم يرضوا بعبادتهم. وقيل: المراد بقوله { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } جميع المؤمنين لما روي أن عليًّا رضي الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال: «أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف» وقال الجنيد رحمه الله: سبقت لهم منا العناية في البداية فظهرت لهم الولاية في النهاية.