الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ وَأَدْخَلْنَـٰهُمْ فِى رَحْمَتِنَا } نبوتنا أو النعمة في الآخرة { إِنَّهُمْ مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } أي ممن لا يشوب صلاحهم كدر الفساد.

{ وَذَا ٱلنُّونِ } أي اذكر صاحب الحوت والنون الحوت فأضيف إليه { إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِباً } حال أي مراغماً لقومه. ومعنى مغاضبته لقومه أنه أغضبهم بمفارقته لخوفهم حلول العقاب عليهم عندها. روي أنه برم بقومه لطول ما ذكرهم فلم يتعظوا وأقاموا على كفرهم فراغمهم وظن أن ذلك يسوغ حيث لم يفعله إلا غضباً لله وبغضاً للكفر وأهله وكان عليه أن يصابر وينتظر الإذن من الله تعالى في المهاجرة عنهم فابتلي ببطن الحوت { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ } نضيق { عَلَيْهِ } وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل يوماً على معاوية فقال: لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها فلم أجد لنفسي خلاصاً إلا بك. قال: وما هي يا معاوية؟ فقرأ الآية. فقال: أو يظن نبي الله أن لا يقدر عليه؟ قال: هذا من القدر لا من القدرة { فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ } أي في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت كقولهذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَـٰتٍ } [البقرة: 17] أو ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت { أن } أي بأنه { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ } أو بمعنى أي { سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } لنفسي في خروجي من قومي قبل أن تأذن لي في الحديث " ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له " وعن الحسن: ما نجاه والله إلا إقراره على نفسه بالظلم. { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْغَمّ } غم الزلة والوحشة والوحدة { وَكَذٰلِكَ نُنجِـى ٱلْمُؤْمِنِينَ } إذا دعونا واستغاثوا بنا. { نجى } شامي وأبو بكر بإدغام النون في الجيم عند البعض لأن النون لا تدغم في الجيم. وقيل: تقديره نجى النجاء المؤمنين فسكن الياء تخفيفاً وأسند الفعل إلى المصدر ونصب المؤمنين بالنجاء لكن فيه إقامة المصدر مقام الفاعل مع وجود المفعول وهذا لا يجوز، وفيه تسكين الياء وبابه الضرورات. وقيل: أصله «ننجى» من التنجية فحذفت النون الثانية لاجتماع النونين كما حذفت إحدى التاءين في { تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } [القدر: 4].