الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ }

{ وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ } دفعة يسيرة { مّنْ عَذَابِ رَبّكَ } صفة لـ { نفحة } { لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } أي ولئن مسهم من هذا الذي ينذرون به أدنى شيء لذلوا ودعوا بالويل على أنفسهم وأقروا أنهم ظلموا أنفسهم حين تصاموا وأعرضوا، وقد بولغ حيث ذكر المس والنفحة لأن النفح يدل على القلة يقال نفحه بعطية: رضخه بها مع أن بناءها للمرة. وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات لأن النفح في معنى القلة والنزارة يقال: نفحته الدابة وهو رمح لين، ونفحه بعطية رضخه والبناء للمرة.

{ وَنَضَعُ ٱلْمَوٰزِينَ } جمع ميزان وهو ما يوزن به الشيء فتعرف كميته. وعن الحسن: هو ميزان له كفتان ولسان. وإنما جمع الموازين لتعظيم شأنها كما في قولهيا أيها ٱلرُّسُلَ } [المؤمنون: 51] والوزن لصحائف الأعمال في قول { ٱلْقِسْطَ } وصفت الموازين بالقسط وهو العدل مبالغة كأنها في نفسها قسط، أو على حذف المضاف أي ذوات القسط { لِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } لأهل يوم القيامة أي لأجلهم { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } من الظلم { وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ } وإن كان الشيء مثقال حبة { مثقال } بالرفع: مدني وكذا في «لقمان» على «كان» التامة { مّنْ خَرْدَلٍ } صفة لـ { حبة } { أَتَيْنَا بِهَا } أحضرناها. وأنت ضمير المثقال لإضافته إلى الحبة كقولهم «ذهبت بعض أصابعه» { وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِينَ } عالمين حافظين، عن ابن عباس رضي الله عنهما: لأن من حفظ شيئاً حسبه وعلّه.

{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْراً } قيل: هذه الثلاثة هي التوراة فهي فرقان بين الحق والباطل، وضياء يستضاء به ويتوصل به إلى سبيل النجاة، وذكر أي شرف أو وعظ وتنبيه أو ذكر ما يحتاج الناس إليه في مصالح دينهم. ودخلت الواو على الصفات كما في قولهوَسَيّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيّا } [آل عمران: 39] وتقول «مررت بزيد الكريم والعالم والصالح». ولما انتفع بذلك المتقون خصهم بقوله: { لّلْمُتَّقِينَ }