الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } * { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ }

{ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ } من الملائكة { إِنّى إِلَـٰهٌ مّن دُونِهِ } من دون الله { إني } مدني وأبو عمرو { فَذَلِكَ } مبتدأ أي فذلك القائل خبره { نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ } وهو جواب الشرط { كَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلظَّـٰلِمِينَ } الكافرين الذين وضعوا الإلٰهية في غير موضعها وهذا على سبيل الفرض والتمثيل لتحقق عصمتهم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والضحاك: قد { تحقق الوعيد في إبليس فإنه ادعى الإلٰهية لنفسه ودعا إلى طاعة نفسه وعبادته.

{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } { ألم ير } مكي { أَنَّ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا } أي جماعة السماوات وجماعة الأرض فلذا لم يقل كن { رَتْقاً } بمعنى المفعول أي كانتا مرتوقتين وهو مصدر فلذا صلح أن يقع موقع مرتوقتين { فَفَتَقْنَـٰهُمَا } فشققناهما، والفتق الفصل بين الشيئين والرتق ضد الفتق. فإن قيل: متى رأوهما رتقاً حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلنا: إنه وارد في القرآن الذي هو معجزة فقام مقام المرئي المشاهد، ولأن الرؤية بمعنى العلم وتلاصق الأرض والسماء وتباينهما جائزان في العقل، فالاختصاص بالتباين دون التلاصق لا بد له من مخصص وهو القديم جل جلاله. ثم قيل: إن السماء كانت لاصقة بالأرض لافضاء بينهما ففتقناهما أي فصلنا بينهما بالهواء. وقيل: كانت السماوات مرتتقة طبقة واحدة ففتقها الله تعالى وجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرض كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها وجعلها سبع أرضين. وقيل: كانت السماء رتقاً لا تمطر والأرض رتقاً لا تنبت ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَاء كُلَّ شَىْء حَىّ } أي خلقنا من الماء كل حيوان كقولهوَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء } [النور: 45] أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه كقولهخُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } [الأنبياء: 37]

{ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } يصدقون بما يشاهدون.

{ وَجَعَلْنَا فِى ٱلأَرْضِ رَوَاسِىَ } جبالاً ثوابت من رسا إذا ثبت { أَن تَمِيدَ بِهِمْ } لئلا تضطرب بهم فحذف «لا» واللام، وإنما جاز حذف «لا» لعدم الالتباس كما تزاد لذلك فيلّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } [الحديد: 29] { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً } أي طرقاً واسعة جمع فج وهو الطريق الواسع ونصب على الحال من { سُبُلاً } متقدمة، فإن قلت: أي فرق بين قوله تعالىلّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } [نوح: 20] وبين هذه؟ قلت: الأول للإعلام بأنه جعل فيها طرقاً واسعة، والثاني لبيان أنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثم { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } ليهتدوا بها إلى البلاد المقصودة.