الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ } * { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } * { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ }

{ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ } يا معشر قريش { كِتَـٰباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } شرفكم إن عملتم به أو لأنه بلسانكم أو فيه موعظتكم أو فيه ذكر دينكم ودنياكم والجملة أي فيه ذكركم صفة لـ { كتاباً } { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ما فضلتكم به على غيركم فتؤمنوا { وَكَمْ } نصب بقوله { قَصَمْنَا } أي أهلكنا { مِن قَرْيَةٍ } أي أهلها بدليل قوله { كَانَتْ ظَـٰلِمَةً } كافرة وهي واردة عن غضب شديد وسخط عظيم لأن القصم أفظع الكسر وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف الفصم فإنه كسر بلا إبانة { وَأَنشَأْنَا } خلقنا { بَعْدَهَا قَوْماً ءاخَرِينَ } فسكنوا مساكنهم.

{ فَلَمَّا أَحَسُّواْ } أي المهلكون { بَأْسَنَا } عذابنا أي علموا علم حس ومشاهدة { إِذَا هُمْ مّنْهَا } من القرية و { إذا } للمفاجأة و { هم } مبتدأ والخبر { يَرْكُضُونَ } يهربون مسرعين، والركض ضرب الدابة بالرجل فيجوز أن يركبوا دوابهم يركضونها هاربين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب، أو شبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراكضين لدوابهم فقيل لهم { لاَ تَرْكُضُواْ } والقائل بعض الملائكة { وَٱرْجِعُواْ إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } نعمتم فيه من الدنيا ولين العيش. قال الخليل: المترف الموسع عليه عيشه القليل فيه همه { وَمَسَـٰكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } أي يقال لهم استهزاء بهم: ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غداً عما جرى عليكم ونزل بأموالكم فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة، أو ارجعوا واجلسوا كما كنتم في مجالسكم حتى يسألكم عبيدكم ومن ينفذ فيه أمركم ونهيكم ويقولوا لكم بم تأمرون وكيف نأتي ونذر كعادة المنعمين المخدمين، أو يسألكم الناس في أنديتكم المعاون في نوازل الخطوب، أو يسألكم الوافدون عليكم والطماع ويستمطرون سحاب أكفكم، أو قال بعضهم لبعض: لا تركضوا وارجعوا إلى منازلكم وأموالكم لعلكم تسألون مالاً وخراجاً فلا تقتلون، فنودي من السماء يا لثارات الأنبياء وأخذتهم السيوف فثم