الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } * { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } * { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } * { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } * { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } * { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } * { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } * { قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ }

{ قَالُواْ إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ } يعني موسى وهارون. قرأ أبو عمرو { إن هَـذينِ لَسَاحِرٰنِ } وهو ظاهر ولكنه مخالف للإمام، وابن كثير وحفص والخليل وهو أعرف بالنحو واللغة { إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ } بتخفيف { إن } مثل قولك «إن زيد لمنطلق» واللام هي الفارقة بين «إن» النافية والمخففة من الثقيلة. وقيل: هي بمعنى «ما» واللام بمعنى إلا أي ما هذان إلا ساحران دليله قراءة أبيّ { إن ذان إلا ساحران } وغيرهم { إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ } قيل هي لغة بلحارث بن كعب وخثعم ومراد وكنانة فالتثنية في لغتهم بالألف أبداً فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب كعصا وسعدى قال:
إن أباها وأبا أباها   قد بلغا في المجد غايتاها
وقال الزجاج: إن بمعنى نعم، قال الشاعر:
ويقلن شيب قد علا   ك وقد كبرت فقلت إنه
أي نعم والهاء للوقف. و { هَـٰذَانِ } مبتدأ و { ساحران } خبر مبتدأ محذوف واللام داخلة على المبتدأ المحذوف تقديره: هذان لهما ساحران فيكون دخولهما في موضعها الموضوع لها وهو الابتداء، وقد يدخل اللام في الخبر كما يدخل في المبتدأ قال:
خالي لأنت ومن جرير خاله   
قال: فعرضته على المبرد فرضيه وقد زيفه أبو عليّ. { يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ } مصر { بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ } بدينكم وشريعتكم { ٱلْمُثْلَىٰ } الفضلى تأنيث الأمثل وهو الأفضل { فَأَجْمِعُواْ } فأحكموا أي اجعلوه مجمعاً عليه حتى لا تختلفوا. { فَأَجْمِعُواْ } أبو عمرو ويعضده { فَجَمَعَ كَيْدَهُ } { كَيْدَكُمْ } هو ما يكاد به { ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } مصطفين حال أمروا بأن يأتوا صفاً لأنه أهيب في صدور الرائين { وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } وقد فاز من غلب وهو اعتراض.

{ قَالُواْ } أي السحرة { يٰمُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ } عصاك أولاً { وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } ما معنا وموضع «أن» مع ما بعده فيهما نصب بفعل مضمر، أو رفع بأنه خبر مبتدأ محذوف معناه اختر أحد الأمرين، أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا. وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه وكأنه تعالى ألهمهم ذلك وقد وصلت إليهم بركته وعلم موسى اختيار إلقائهم أولاً حتى { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ } أنتم أولاً ليبرزوا ما معهم من مكايد السحر ويظهر الله سلطانه ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه، ويسلط المعجزة على السحر فتمحقه فيصير آية نيرة للناظرين وعبرة بينة للمعتبرين فألقوا { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ } يقال في { إِذَا } هذه: إذا المفاجأة والتحقيق أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصباً لها وجملة تضاف إليها، وخصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلاً مخصوصاً وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير والتقدير: ففاجأ موسى وقت تخيل سعي حبالهم وعصيهم والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي { يُخَيَّلُ } وبالتاء: ابن ذكوان { إِلَيْهِ } إلى موسى { مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } رفع بدل اشتمال من الضمير في { يُخَيَّلُ } أي يخيل الملقى.

السابقالتالي
2