الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } * { قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } * { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } * { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } * { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ } * { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } * { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } * { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } * { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ } * { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } * { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ }

{ قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأَولَىٰ } فما حال الأمم الحالية والرمم البالية، سأله عن حال من تقدم من القرون وعن شقاء من شقي منهم وسعادة من سعد { قَالَ } موسى مجيباً { عِلْمُهَا عِندَ رَبّى } مبتدأ وخبر { فِى كِتَـٰبِ } أي اللوح خبر ثانٍ أي هذا سؤال عن الغيب وقد استأثر الله به لا يعلمه إلا هو وما أنا إلا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به علام الغيوب، وعلم أحوال القرون مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ { لاَّ يَضِلُّ رَبّى } أي لا يخطىء شيئاً يقال: ضللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهتد له أي لا يخطىء في سعادة الناس وشقاوتهم { وَلاَ يَنسَى } ثوابهم وعقابهم. وقيل: لا ينسى ما علم فيذكره الكتاب ولكن ليعلم الملائكة أن معمول الخلق يوافق معلومه.

{ ٱلَّذِى } مرفوع صفة لـ { رَبّى } أو خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح { جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } كوفي وغيرهم { مِهَـٰداً } وهما لغتان لما يبسط ويفرش { وَسَلَكَ } أي جعل { لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } طرقاً { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء } أي مطراً { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } بالماء. نقل الكلام من الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع للافتنان. وقيل: تم كلام موسى ثم أخبر الله تعالى عن نفسه بقوله { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } وقيل: هذا كلام موسى أي فأخرجنا نحن بالحراثة والغرس { أَزْوٰجاً } أصنافاً { مّن نَّبَـٰتٍ } هو مصدر سمي به النابت فاستوى فيه الواحد والجمع { شَتَّىٰ } صفة للأزواج أو للنبات جمع شتيت كمريض ومرضى أي إنها مختلفة النفع واللون والرائحة والشكل بعضها للناس وبعضها للبهائم، ومن نعمة الله تعالى أن أرزاقنا تحصل بعمل الأنعام وقد جعل الله علفها مما يفضل عن حاجاتنا مما لا نقدر على أكله قائلين { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَـٰمَكُمْ } حال من الضمير في { فَأَخْرَجْنَا } والمعنى أخرجنا أصناف النبات آذنين في الانتفاع بها مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها { إِنَّ فِى ذَلِكَ } في الذي ذكرت { لآيَاتٍ } لدلالات { لأُِوْلِي ٱلنُّهَىٰ } لذوي العقول واحدها نهية لأنها تنهى عن المحظور أو ينتهى إليها في الأمور { مِنْهَا } من الأرض { خَلَقْنَـٰكُمْ } أي أباكم آدم عليه السلام. وقيل: يعجن كل نطفة بشيء من تراب مدفنه فيخلق من التراب والنطفة معاً أو لأن النطفة من الأغذية وهي من الأرض { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } إذا متم فدفنتم { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ } عند البعث { تَارَةً أُخْرَىٰ } مرة أخرى والمراد بإخراجهم أنه يؤلف أجزاءهم المتفرقة المختلطة بالتراب ويردهم كما كانوا أحياء ويخرجهم إلى المحشر، عدد الله عليهم ما علق بالأرض من مرافقهم حيث جعلها لهم فراشاً ومهاداً يتقلبون عليها، وسوى لهم فيها مسالك يترددون فيها كيف شاؤوا، وأنبت فيها أصناف النبات التي منها أقواتهم وعلوفات بهائمهم وهي أصلهم الذي منه تفرعوا، وأمهم التي منها ولدوا وهي كفانهم إذا ماتوا.