الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } * { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } * { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } * { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } * { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ } * { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } * { فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } * { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ }

{ إِذْ تَمْشِى } بدل من { إِذْ أَوْحَيْنَا } لأن مشي أخته كان منة عليه { أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } رُوي أن أخته مريم جاءت متعرفة خبره فصادفتهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها وكان لا يقبل ثدي امرأة فقالت: هل أدلكم على من يضمه إلى نفسه فيربيه وأرادت بذلك المرضعة الأم. وتذكير الفعل للفظ { مِنْ } ، فقالوا: نعم فجاء بالأم فقبل ثديها وذلك قوله { فَرَجَعْنَـٰكَ } فرددناك { إِلَىٰ أُمّكَ } كما وعدناها بقولناإِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ } [القصص: 7] { كَى تَقَرَّ عَيْنُها } بلقائك { وَلاَ تَحْزَنْ } على فراقك { وَقَتَلْتَ نَفْساً } قبطياً كافراً { فَنَجَّيْنَـٰكَ مِنَ ٱلْغَمّ } من القود. قيل الغم: القتل بلغة قريش وقيل: اغتم بسبب القتل خوفاً من عقاب الله تعالى ومن اقتصاص فرعون فغفر الله له باستغفارهقَالَ رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَٱغْفِرْ لِى } [القصص: 16] ونجاه من فرعون بأن ذهب به من مصر إلى مدين { وَفَتَنَّـٰكَ فُتُوناً } ابتليناك ابتلاء بإيقاعك في المحن وتخليصك منها، والفتون مصدر كالقعود أو جمع فتنة أي فتناك ضروباً من الفتن، والفتنة المحنة وكل ما يبتلي الله به عباده فتنة.وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [الأنبياء: 35] { فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ } هي بلدة شعيب عليه السلام على ثمان مراحل من مصر. قال وهب: لبث عند شعيب ثمانياً وعشرين سنة، عشر منها مهر لصفوراء، وأقام عنده ثمان عشرة سنة بعدها حتى ولد له أولاد. { ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } أي موعد ومقدار للرسالة وهو أربعون سنة { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } اخترتك واصطفيتك لوحي ورسالتي لتتصرف على إرادتي ومحبتي. قال الزجاج: اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي كأني أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم.

{ ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـئَايَـٰتِى } بمعجزاتي { وَلاَ تَنِيَا } تفترا من الونى وهو الفتور والتقصير { فِى ذِكْرِى } أي اتخذا ذكري جناحاً تطيران به أو أريد بالذكر تبليغ الرسالة فالذكر يقع على سائر العبادات وتبليغ الرسالة من أعظمها { ٱذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } كرر لأن الأول مطلق والثاني مقيد { إِنَّهُ طَغَىٰ } جاوز الحد بإدعائه الربوبية { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً } الطفا له في القول لما له من حق تربية موسى، أو كنياه وهو من ذوي الكنى الثلاث: أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة. أو عداه شباباً لا يهرم بعده وملكاً لا ينزع عنه إلا بالموت، أو هو قولههَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبّكَ فَتَخْشَىٰ } [النازعات: 19] أي يخاف أن يكون الأمر كما تصفان فيجره إنكاره إلى الهلكة. وإنما قال { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ } مع علمه أنه لا يتذكر لأن الترجي لهما، أي اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرة من يطمع أن يثمر عمله.

السابقالتالي
2