الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } * { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } * { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } * { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } * { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ }

{ فَقُلْنَا يٰـئَادَمُ أن هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ } حيث لم يسجد لك ولم ير فضلك { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ } فلا يكونن سبباً لإخراجكما { فَتَشْقَىٰ } فتتعب في طلب القوت ولم يقل «فتشقيا» مراعاة لرؤوس الآي، أو دخلت تبعاً، أو لأن الرجل هو الكافل لنفقة المرأة. وروي أنه أهبط إلى آدم ثور أحمر وكان يحرث عليه ويمسح العرق من جبينه { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا } في الجنة { وَلاَ تَعْرَىٰ } عن الملابس لأنها معدة أبداً فيها { وَأَنَّكَ } بالكسر: نافع وأبو بكر عطفاً على «إن» الأولى، وغيرهما بالفتح عطفاً على { أَلاَّ تَجُوعَ } ومحله نصب بـ «أن» وجاز للفصل كما تقول «إن في علمي أنك جالس» { لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا } لا تعطش لوجود الأشربة فيها { وَلاَ تَضْحَىٰ } لا يصيبك حر الشمس إذ ليس فيها شمس فأهلها في ظل ممدود.

{ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَـٰنُ } أي أنهى إليه الوسوسة كأسر إليه { قَالَ يَـاءادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود لأن من أكل منها خلد بزعمه ولا يموت { وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } لا يفنى { فَأَكَلاَ } أي آدم وحواء { مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا } عوراتهما { سَوْءتُهُمَا } { وَطَفِقَا } طفق يفعل كذا مثل جعل يفعل وهو كـ «كاد» في وقوع الخبر فعلاً مضارعاً إلا أنه للشروع في أول الأمر وكاد للدنو منه { يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } أي يلزقان الورق بسواتهما للتستر وهو ورق التين { وَعَصَىٰ ءادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } ضل عن الرأي. وعن ابن عيسى خاب، والحاصل أن العصيان وقوع الفعل على خلاف الأمر والنهي، وقد يكون عمداً فيكون ذنباً وقد لا يكون عمداً فيكون زلة. ولما وصف فعله بالعصيان خرج فعله من أن يكون رشداً فكان غياً، لأن الغي خلاف الرشد. وفي التصريح بقوله { وَعَصَىٰ ءادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } والعدول عن قوله و «زل آدم» مزجرة بليغة وموعظة كافة للمكلفين كأنه قيل لهم: انظروا واعتبروا كيف نعيت على النبي المعصوم حبيب الله زلته بهذه الغلظة فلا تتهاونوا بما يفرط منكم من الصغائر فضلاً عن الكبائر.