الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ } * { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }

{ وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَىٰ بالْبَيِّنَـٰتِ } بالآيات التسع وأدغم الدال في الجيم حيث كان أبو عمرو وحمزة وعلي. { ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ } إلهاً { مِن بَعْدِهِ } من بعد خروج موسى عليه السلام إلى الطور. { وَأَنتُمْ ظَـٰلِمُونَ } هو حال أي عبدتم العجـل وأنتم واضعون العبادة غير موضعها، أو اعتراض أي وأنتم قوم عادتكم الظلم. { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ ما آتيناكُمْ بِقُوَّةٍ } كرر ذكر رفع الطور لما نيط به من زيادة ليست مع الأولى. { وَٱسْمَعُواْ } ما أمرتم به في التوراة. { قَالُواْ سَمِعْنَا } قولك { وَعَصَيْنَا } أمرك وطابق قوله جوابهم من حيث إنه قال لهم اسمعوا وليكن سماعكم سماع تقبل وطاعة فقالوا سمعنا ولكن لا سماع طاعة. { وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } أي تداخلهم حبه والحرص على عبادته كما يتداخل الصبغ الثوب، وقوله: «في قلوبهم»، بيان لمكان الإشراب والمضاف وهو الحب محذوف. { بِكُفْرِهِمْ } بسبب كفرهم واعتقادهم التشبيه. { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَـٰنُكُمْ } بالتوراة لأنه ليس في التوراة عبادة العجل، وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم وكذا إضافة الإيمان اليهم. { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } تشكيك في إيمانهم وقدح في صحة دعواهم له. { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } أي الجنة. { عَندَ ٱللَّهِ } ظرف، و «لكم» خبر «كان» { خَالِصَةً } حال من الدار الآخرة أي سالمة لكم ليس لأحد سواكم فيها حق يعني إن صح قولكم لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً { مّن دُونِ ٱلنَّاسِ } هو للجنس. { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَـٰدِقِينَ } فيما تقولون لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها تخلصاً من الدار ذات الشوائب كما نقل عن العشرة المبشرين بالجنة أن كل واحد منهم كان يحب الموت ويحن إليه. { وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا } هو نصب على الظرف أي لن يتمنوه ما عاشوا { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } بما أسلفوا من الكفر بمحمد عليه السلام وتحريف كتاب الله وغير ذلك وهو من المعجزات لأنه إخبار بالغيب وكان كما أخبر به كقولهوَلَن تَفْعَلُواْ } [البقرة: 24]، ولو تمنوه لنقل ذلك كما نقل سائر الحوادث. { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّـٰلِمينَ } تهديد لهم.

{ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ } مفعولاً وجد - «هم» - و «أحرص» - { عَلَىٰ حَيَوٰةٍ } التنكير يدل على أن المراد حياة مخصوصة وعلى الحياة المتطاولة ولذا كانت القراءة بها أوقع من قراءة «أبي» على الحياة { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } هو محمول على المعنى لأن معنى أحرص الناس أحرص من الناس، نعم قد دخل الذين أشركوا تحت الناس ولكنهم أفردوا بالذكر لأن حرصهم شديد كما أن جبريل وميكائيل خصا بالذكر وإن دخلا تحت الملائكة، أو أريد وأحرص من الذين أشركوا فحذف لدلالة أحرص الناس عليه، وفيه توبيخ عظيم لأن الذين أشركوا لا يؤمنون بعاقبة ولا يعرفون إلا الحياة الدنيا، فحرصهم عليها لا يستبعد لأنها جنتهم فإذا زاد في الحرص من له كتاب وهو مقر بالجزاء كان حقيقاً بأعظم التوبيخ، وإنما زاد حرصهم على الذين أشركوا لأنهم علموا أنهم صائرون إلى النار لعلمهم بحالهم والمشركون لا يعلمون ذلك.

السابقالتالي
2