الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } * { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } * { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } اختاروها على الآخرة اختيار المشتري { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } ولا ينصرهم أحد بالدفع عنهم. { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } التوراة. أتاه جملة { وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ } يقال: قفاه إذا اتبعه من القفا نحو ذنبه من الذنب وقفاه به إذا أتبعه إياه. يعني وأرسلنا على أثره الكثير من الرسل وهم يوشع واشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعياء وأرمياء وعزير وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيـى وغيرهم.صلوات الله عليهم { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } هي بمعنى الخادم، ووزن مريم عند النحويين «مفعل» لأن «فعيلاً» لم يثبت في الأبنية، البينات المعجزات الواضحات كإحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص والإخبار بالمغيبات. { وَأَيَّدْنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } أي الطهارة وبالسكون حيث كان: مكي. أي بالروح المقدسة كما يقال «حاتم الجود» ووصفها بالقدس للاختصاص والتقريب. أو بجبريل عليه السلام لأنه يأتي بما فيه حياة القلوب، وذلك لأنه رفعه إلى السماء حين قصد اليهود قتله. أو بالإنجيل كما قال في القرآنرُوحاً مّنْ أَمْرِنَا } [الشورى: 52]، أو باسم الله الأعظم الذي كان يحيي الموتى بذكره. { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى } تحب { أَنفُسُكُم ٱسْتَكْبَرْتُمْ } تعظمتم عن قبوله { فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ } كعيسى ومحمد عليهما السلام { وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } كزكريا ويحيـى عليهما السلام. ولم يقل قتلتم لوفاق الفواصل، أو لأن المراد وفريقاً تقتلونه بعد لأنكم تحومون حول قتل محمد عليه السلام لولا أني أعصمه منكم ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة. والمعنى ولقد آتينا يا بني إسرائيل أنبياءكم ما آتيناهم فكلما جاءكم رسول منهم بالحق استكبرتم عن الإيمان به، فوسط ما بين الفاء وما تعلقت به همزة التوبيخ والتعجب من شأنهم. { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } جمع أغلف أي هي خلقة مغشاة بأغطية لا يتوصل إليها ما جاء به محمد عليه السلام ولا تفقهه، مستعار من الأغلف الذي لا يختن { بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } فرد الله أن تكون قلوبهم مخلوقة كذلك لأنها خلقت على الفطرة والتمكن من قبول الحق، وإنما طردهم بكفرهم وزيغهم. { فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } فـ «قليلاً» صفة مصدر محذوف أي فإيماناً قليلاً يؤمنون. و«ما» مزيدة وهو إيمانهم ببعض الكتاب. وقيل: القلة بمعنى العدم. غلف تخفيف غلف وقرىء به جمع غلاف أي قلوبنا أوعية للعلوم فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره، أو أوعية للعلوم فلو كان ما جئت به حقاً لقبلنا.

{ وَلَمَّا جَاءَهُمُ } أي اليهود { كِتَـٰبٌ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي القرآن { مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ } من كتابهم لا يخالفه { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ } يعني القرآن { يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يستنصرون على المشركين إذا قاتلوهم قالوا: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته في التوراة، ويقولون لأعدائهم المشركين: قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم.

السابقالتالي
2