الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } * { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ أَفَتَطْمَعُونَ } الخطاب لرسول الله والمؤمنين. { أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ } أن يؤمنوا لأجل دعوتكم ويستجيبوا لكم كقوله تعالى:فَـئَامَنَ لَهُ لُوطٌ } [العنكبوت: 26]، يعني اليهود. { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ } طائفة فيمن سلف منهم. { يَسْمَعُونَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ } أي التوراة. { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } كما حرفوا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآية الرجم. { مِن بَعْدِِ مَا عَقَلُوهُ } من بعد ما فهموه وضبطوه بعقولهم. { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم كاذبون مفترون. والمعنى إن كفر هؤلاء وحرفوا فلهم سابقة في ذلك. { وَإِذَا لَقُواْ } أي المنافقون أو اليهود. { ٱلَّذِينَ آمنواْ } أي المخلصون من أصحاب محمد عليه السلام. { قَالُواْ } أي المنافقون { آمنَا } بأنكم على الحق وأن محمداً هو الرسول المبشر به. { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ } الذين لم ينافقوا { إِلَىٰ بَعْضِ } إلى الذين نافقوا { قَالُواْ } عاتبين عليهم { أَتُحَدِّثُونَهُم } أتخبرون أصحاب محمد عليه السلام { بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } بما بين الله لكم في التوراة من صفة محمد عليه السلام { لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ } ليحتجوا عليكم بما أنزل ربكم في كتابه، جعلوا محاجتهم به وقولهم هو في كتابكم هكذا محاجة عند الله، ألا تراك تقول هو في كتاب الله تعالى هكذا وهو عند الله هكذا بمعنى واحد؟ وقيل: هذا على إضمار المضاف أي عند كتاب ربكم. وقيل: ليجادلوكم ويخاصموكم به بما قلتم لهم عند ربكم في الآخرة يقولون كفرتم به بعد أن وقفتم على صدقه. { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أن هذه حجة عليكم حيث تعترفون به ثم لا تتابعونه { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ } جميع { مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان.

{ وَمِنْهُمُ } ومن اليهود { أُمِّيُّونَ } لا يحسنون الكتب فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها { لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } التوراة { إِلاَّ أَمَانِىَّ } إلا ما هم عليه من أمانيهم وأن الله يعفو عنهم ويرحمهم ولا تمسهم النار إلا أياماً معدودة، أو إلا أكاذيب مختلقة سمعوها من علمائهم فتقبلوها على التقليد ومنه قول عثمان رضي الله عنه: ما تمنيت منذ أسلمت، أو إلا ما يقرؤون من قوله:
تمنى كتاب الله أول ليلة   وآخرها لا في حمام المقادر
أي لا يعلمون هؤلاء حقيقة المنزل وإنما يقرؤون أشياء أخذوها من أحبارهم. والاستثناء منقطع. { وَإِنْ هُمْ } وما هم { إِلاَّ يَظُنُّونَ } لا يدرون ما فيه فيجحدون نبوتك بالظن. ذكر العلماء الذين عاندوا بالتحريف مع العلم ثم العوام الذين قلدوهم { فَوَيْلٌ } في الحديث " ويل واد في جهنم " { لّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } المحرف { بِأَيْدِيهِمْ } من تلقاء أنفسهم من غير أن يكون منزلاً.

السابقالتالي
2