الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

{ قَالَ يَـاءَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِم } سمى كل شيء باسمه. { قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي أعلم ما غاب فيهما عنكم مما كان ومما يكون. { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } تظهرون. { وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } تسرون.

{ وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآِدَمَ } أي اخضعوا له وأقروا بالفضل له. عن أبي بن كعب، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كان ذلك انحناء ولم يكن خروراً على الذقن. والجمهور على أن المأمور به وضع الوجه على الأرض. وكان السجود تحية لآدم عليه السلام في الصحيح إذ لو كان لله تعالى لما امتنع عنه إبليس. وكان سجود التحية جائزاً فيما مضى ثم نسخ بقوله عليه السلام لسلمان حين أراد أن يسجد له " لا ينبغي لمخلوق أن يسجد لأحد إلا لله تعالى» ".

{ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } الاستثناء متصل لأنه كان من الملائكة كذا قاله علي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم، ولأن الأصل أن الاستثناء يكون من جنس المستثنى منه، ولهذا قال:مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } [الأعراف: 12]، وقوله:كَانَ مِنَ ٱلْجِنّ } [الكهف: 50] معناه صار من الجن كقولهفَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } [هود: 43]. وقيل: الاستثناء منقطع لأنه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن بالنص وهو قول الحسن وقتادة، ولأنه خلق من نار والملائكة خلقوا من النور، ولأنه أبى وعصى واستكبر والملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ولا يستكبرون عن عبادته. ولأنه قال:أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي } [الكهف: 50]، ولا نسل للملائكة. وعن الجاحظ أن الجن والملائكة جنس واحد، فمن طهر منهم فهو ملك، ومن خبث فهو شيطان، ومن كان بين بين فهو جن. { أَبَىٰ } امتنع مما أمر به { وَٱسْتَكْبَرَ } تكبر عنه. { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } وصار من الكافرين بإبائه واستكباره ورده الأمر لا بترك العمل بالأمر، لأن ترك السجود لا يخرج من الإيمان ولا يكون كفراً عند أهل السنة خلافاً للمعتزلة والخوارج، أو كان من الكافرين في علم الله أي وكان في علم الله أنه يكفر بعد إيمانه لأنه كان كافراً أبداً في علم الله وهي مسألة الموافاة.

{ وَقُلْنَا يٰـئَادَمُ ٱسْكُنْ } أمر من سكن الدار يسكنها سكنى إذا أقام فيها ويقال سكن المتحرك سكوناً { أَنتَ } تأكيد للمستكن في «اسكن» ليصح عطف { وَزَوْجُكَ } عليه { ٱلْجَنَّةَ } هي جنة الخلد التي وعدت للمتقين للنقل المشهور واللام للتعريف. وقالت المعتزلة: كانت بستاناً باليمن لأن الجنة لا تكليف فيها ولا خروج عنها. قلنا: إنما لا يخرج منها من دخلها جزاء. وقد دخل النبي عليه السلام ليلة المعراج ثم خرج منها، وأهل الجنة يكلفون المعرفة والتوحيد.

السابقالتالي
2 3