الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ } معنى الهمزة التي في «كيف» مثله في قولك: أتكفرون بالله ومعكم وما يصرف عن الكفر ويدعو إلى الإيمان وهو الإنكار والتعجب، ونظيره قولك: أتطير بغير جناح وكيف تطير بغير جناح؟ والواو في { وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا } نطفاً في أصلاب آبائكم للحال و «قد» مضمرة. والأموات جمع ميت كالأقوال جمع قيل، ويقال لعادم الحياة أصلاً ميت أيضاً كقوله تعالى:بلدة مَّيْتاً } [الفرقان: 49] { فَأَحْيَـٰكُمْ } في الأرحام { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } عند انقضاء آجالكم { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } للبعث { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } تصيرون إلى الجزاء، أو ثم يحييكم في قبوركم ثم إليه ترجعون للنشور. وإنما كان العطف الأول بالفاء والبواقي بثم لأن الإحياء الأول قد تعقب الموت بلا تراخٍ، وأما الموت فقد تراخى عن الحياة والحياة الثانية كذلك تتراخى عن الموت إن أريد النشور، وإن أريد إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه، والرجوع إلى الجزاء أيضاً متراخٍ عن النشور. وإنما أنكر اجتماع الكفر مع القصة التي ذكرها لأنها مشتملة على آيات بينات تصرفهم على الكفر، ولأنها تشتمل على نعمٍ جسام حقها أن تشكر ولا تكفر.

{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ } أي لأجلكم ولانتفاعكم به في دنياكم ودينكم. أما الأول فظاهر، وأما الثاني فالنظر فيه وما فيه من العجائب الدالة على صانع قادر حكيم عليم، وما فيه من التذكير بالآخرة لأن ملاذها تذكر ثوابها ومكارهها تذكر عقابها. وقد استدل الكرخي وأبو بكر الرازي والمعتزلة بقوله «خلق لكم» على أن الأشياء التي يصح أن ينتفع بها خلقت مباحة في الأصل. { جَمِيعاً } نصب على الحال من «ما» { ثُمَّ ٱسْتَوَى إِلَى ٱلسَّمَاء } الاستواء: الاعتدال والاستقامة. يقال: استوى العود أي قام واعتدل، ثم قيل: استوى إليه كالسهم المرسل أي قصده قصداً مستوياً من غير أن يلوي على شيء ومنه قوله تعالى:ثُمَّ ٱسْتَوَى إِلَى ٱلسَّمَاء } [فصلت: 11]، أي أقبل وعمد إلى خلق السموات بعد ما خلق ما في الأرض من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر. والمراد بالسماء جـهات العلو كأنه قيل: ثم استوى إلى فوق. والضمير في { فسوّاهنّ } مبهم يفسره { سَبْعَ سَمَـٰوٰتٍ } كقولهم «ربه رجلاً». وقيل: الضمير راجع إلى السماء ولفظها واحد ومعناها الجمع لأنها في معنى الجنس. ومعنى تسويتهن تعديل خلقهن وتقويمه وإخلاؤه من العوج والفطور، أو إتمام خلقهن. «وثم» هنا لبيان فضل خلق السمٰوات على خلق الأرض، ولا يناقض هذا قولهوَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـٰهَا } [النازعات: 30] لأن جرم الأرض تقدم خلقه خلق السماء وأما دحوها فمتأخر. وعن الحسن: خلق الله الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليها دخان ملتزق بها، ثم أصعد الدخان وخلق منها السمٰوات وأمسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض فذلك قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3