الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ } * { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } إشارة إلى جماعة الرسل التي ذكرت قصصها في هذه السورة من آدم إلى داود أو التي ثبت علمها عند رسول الله عليه السلام { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } بالخصائص وراء الرسالة لاستوائهم فيها كالمؤمنين يستوون في صفة الإيمان ويتفاوتون في الطاعات بعد الإيمان. ثم بين ذلك بقوله { مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } أي كلمه الله حذف العائد من الصلة يعني منهم من فضله الله بأن كلمه من غير سفير وهو موسى عليه السلام { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ } مفعول أول { دَرَجَـٰتٌ } مفعول ثانٍ أي بدرجـات أو إلى درجات يعني ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة وهو محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه هو المفضل عليهم بإرساله إلى الكافة، وبأنه أوتي ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى ألف أو أكثر، وأكبرها القرآن لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر. وفي هذا الإبهام تفخيم وبيان أنه العلم الذي لا يشتبه على أحد، والمتميز الذي لا يلتبس. وقيل: أريد به محمد وإبراهيم وغيرهما من أولي العزم من الرسل { وَءَاتَيْنَا عِسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتُ } كإحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص وغير ذلك { وَأَيَّدْنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } قويناه بجبريل أو بالإنجيل { وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ } أي ما اختلف لأنه سببه { ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم } من بعد الرسل { مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ } المعجزات الظاهرات { وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ } بمشيئتي. ثم بين الاختلاف فقال { فَمِنْهُمْ مَّنْ ءَامَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ } بمشيئتي. يقول الله أجريت أمور رسلي على هذا، أي لم يجتمع لأحد منهم طاعة جميع أمته في حياته ولا بعد وفاته بل اختلفوا عليه فمنهم من آمن ومنهم من كفر { وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ } كرره للتأكيد أي لو شئت أن لا يقتتلوا لم يقتتلوا إذ لا يجري في ملكي إلا ما يوافق مشيئتي، وهذا يبطل قول المعتزلة لأنه أخبر أنه لو شاء أن لا يقتتلوا لم يقتتلوا وهم يقولون شاء أن لا يقتتلوا فاقتتلوا { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } أثبت الإرادة لنفسه كما هو مذهب أهل السنة. { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰكُم } في الجهاد في سبيل الله، أو هو عام في كل صدقة واجبة { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ } أي من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق لأنه لا بيع فيه حتى تبتاعوا ما تنفقونه { وَلاَ خُلَّةٌ } حتى يسامحكم أخلاؤكم به { وَلاَ شَفَـٰعَةٌ } أي للكافرين، فأما المؤمنون فلهم شفاعة أو إلا بإذنه { وَٱلْكَـٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } أنفسهم بتركهم التقديم ليوم حاجاتهم، أو الكافرون بهذا اليوم هم الظالمون.

السابقالتالي
2 3