{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ } هما علمان للجبلين. { مِن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } من أعلام مناسكه ومتعبداته جمع شعيرة وهي العلامة { فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ } قصد الكعبة { أَوِ ٱعْتَمَرَ } زار الكعبة، فالحج: القصد، والاعتمار: الزيارة، ثم غلبا على قصد البيت وزيارته للنسكين المعروفين وهما في المعاني كالنجم والبيت في الأعيان. { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ } فلا إثم عليه { أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } ، أي يتطوف فأدغم التاء في الطاء. وأصل الطوف المشي حول الشيء والمراد هنا السعي بينهما. قيل: كان على الصفا «إساف» وعلى المروة «نائلة» وهما صنمان يروى أنهما كانا رجلاً وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين فوضعا عليهما ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عبدا من دون الله. وكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوهما فلما جاء الإسلام وكسرت الأوثان كره المسلمون الطواف بينهما لأجل فعل الجاهلية فرفع عنهم الجناح بقوله «فلا جناح». وهو دليل على أنه ليس بركن كما قال مالك والشافعي رحمهما الله تعالى. وكذا قوله { وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا } أي بالطواف بهما مشعر بأنه ليس بركن. «ومن يطوع»: حمزة وعلي أي يتطوع فأدغم التاء في الطاء { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ } مجاز على القليل كثيراً { عَلِيمٌ } بالأشياء صغيراً أو كبيراً. { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ } من أحبار اليهود { مَا أَنَزَلْنَا } في التوراة { مِنَ ٱلْبَيّنَـٰتِ } من الآيات الشاهدة على أمر محمد عليه السلام { وَٱلْهُدَىٰ } الهداية إلى الإسلام بوصفه عليه السلام { مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ } أوضحناه { لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ } في التوراة لم ندع فيه موضع إشكال فعمدوا إلى ذلك المبين فكتموه { أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ } الذين يتأتى منهم اللعن وهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } عن الكتمان وترك الإيمان { وَأَصْلَحُواْ } ما أفسدوا من أحوالهم وتداركوا ما فرط منهم { وَبَيَّنُواْ } وأظهروا ما كتموا { فَأُوْلَـٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ } أقبل توبتهم { وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ * إِن ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } يعني الذين ماتوا من هؤلاء الكاتمين ولم يتوبوا { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلـٰئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } ذكر لعنتهم أحياء ثم لعنتهم أمواتاً. والمراد بالناس المؤمنون أو المؤمنون والكافرون إذ بعضهم يلعن بعضاً يوم القيامة قال الله تعالى:{ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [الأعراف: 38]. { خَـٰلِدِينَ } حال من هم في «عليهم» { فِيهَا } في اللعنة أو في النار إلا أنها أضمرت تفخيماً لشأنها وتهويلاً { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } من الإنظار أي لا يمهلون أو لا ينتظرون ليعتذروا أو لا ينظر إليهم نظر رحمة { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } فرد في ألوهيته لا شريك له فيها ولا يصح أن يسمى غير إلها { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } تقرير للوحدانية ينفي غيره وإثباته.