الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } * { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } * { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

{ صِبْغَةَ ٱللَّهِ } دين الله وهو مصدر مؤكد منتصب عن قوله: «آمنا بالله». وهي فعلة من صبغ كالجلسة من جلس وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ، والمعنى تطهير الله لأن الإيمان يطهر النفوس. والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم فإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال الآن صار نصرانياً حقاً، فأمر المسلمون بأن يقولوا لهم: آمنا بالله وصبغنا الله بالإيمان صبغته ولم نصبغ صبغتكم. وجيء بلفظ الصبغة للمشاكلة كقولك لمن يغرس الأشجار إغرس كما يغرس فلان تريد رجلاً يصطنع الكرم. { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً } تمييز أي لا صبغة أحسن من صبغته يريد الدين أو التطهير. { وَنَحْنُ لَهُ عَـٰبِدونَ } عطف على «آمنا بالله» وهذا العطف يدل على أن قوله: «صبغة الله» داخل في مفعول «قولوا آمنا» أي قولوا هذا وهذا «ونحن له عابدون» ويردّ قول من زعم أن صبغة الله بدل من «ملة إبراهيم» أو نصب على الإغراء بمعنى عليكم صبغة الله لما فيه من فك النظم وإخراج الكلام عن التئامه. وانتصابها على أنها مصدر مؤكد هو الذي ذكره سيبويه والقول ما قالت حذام.

{ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِى اللَّهِ } أي أتجادلوننا في شأن الله واصطفائه النبي من العرب دونكم وتقولون لو أنزل الله على أحد لأنزل علينا وترونكم أحق بالنبوة منا { وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } نشرك جميعاً في أننا عباده وهو ربنا وهو يصيب برحمته وكرامته من يشاء من عباده { وَلَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ } يعني أن العمل هو أساس الأمر وكما أن لكم أعمالاً فلنا كذلك { وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } أي نحن له موحدون نخصه بالإيمان وأنتم به مشركون، والمخلص أحرى بالكرامة وأولى بالنبوة من غيره. { أَمْ تَقُولُونَ } بالتاء شامي وكوفي غير أبي بكر. و«أم» على هذا معادلة للهمزة في «أتحاجوننا» يعني أي الأمرين تأتون: المحاجة في حكم الله أم إدعاء اليهودية والنصرانية على الأنبياء؟ أو منقطعة أي بل أتقولون. «يقولون»: غيرهم بالياء، وعلى هذا لا تكون الهمزة إلا منقطعة. { إِنَّ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ } ثم أمر نبيه عليه السلام أن يقول مستفهماً راداً عليهم بقوله: { قُلْ ءَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ } يعني أن الله شهد لهم بملة الإسلام في قوله:مَا كَانَ إِبْرٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا وَلَكِن حَنِيفًا مُّسْلِمًا } [آل عمران: 67]. { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَـٰدَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ } أي كتم شهادة الله التي عنده أنه شهد بها وهي شهادة الله لإبراهيم بالحنيفية. والمعنى أن أهل الكتاب لا أحد أظلم منهم لأنهم كتموا هذه الشهادة وهم عالمون بها، أو أنا لو كتمنا هذه الشهادة لم يكن أحد أظلم منا فلا نكتمها.

السابقالتالي
2 3