الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } * { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } * { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } * { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ } أي الكعبة وهو اسم غالب لها كالنجم للثريا { مَثَابَةً لّلنَّاسِ } مباءة ومرجعاً للحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه { وَأَمْناً } وموضع أمن فإن الجاني يأوي إليه فلا يتعرض له حتى يخرج وهو دليل لنا في الملتجىء إلى الحرم. { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ مُصَلًّى } وقلنا أتخذوا منه موضع صلاة تصلون فيه. وعنه عليه السلام أنه أخذ بيد عمر فقال " هذا مقام إبراهيم " فقال عمر أفلا نتخذه مصلى فقال عليه السلام " لم أومر بذلك " فلم تغب الشمس حتى نزلت. وقيل: مصلى مدعى، ومقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدميه. وقيل: الحرم كله مقام إبراهيم. «واتخذوا» شامي ونافع بلفظ الماضي عطفاً على «جـعلنا» أي واتخذ الناس من مكان إبراهيم الذي وسم به لاهتمامه به وإسكان ذريته عنده قبلة يصلون إليها { وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ } أمرناهما { أَن طَهّرَا بَيْتِىَ } بفتح الياء: مدني وحفص أي بأن طهرا أو أي طهرا والمعنى طهراه من الأوثان والخبائث والأنجاس كلها { لِلطَّائِفِينَ } للدائرين حوله { وَٱلْعَـٰكِفِينَ } المجاورين الذين عكفوا عنده أي أقاموا لا يبرحون أو المعتكفين. وقيل: للطائفين للنزّاع إليه من البلاد والعاكفين والمقيمين من أهل مكة. { وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } والمصلحين جـمعاً راكع وساجد.

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبِ ٱجْعَلْ هَٰذَا } أي اجعل هذا البلد أو هذا المكان { بَلَدًا آمِنًا } ذا أمن كعيشة راضية أو آمناً من فيه كقولك «ليل نائم» فهذا مفعول أول. و«بلداً» مفعول ثانٍ و«آمناً» صفة له. { وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ } لأنه لم يكن لهم ثمرة. ثم أبدل { مَنْ ءَامَنَ مِنْهُم بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } من أهله بدل البعض من الكل أي وارزق المؤمنين من أهله خاصة. قاس الرزق على الإمامة فخص المؤمنين به. قال الله تعالى جواباً له { وَمَن كَفَرَ } أي وارزق من كفر { فَأُمَتّعُهُ قَلِيلاً } تمتيعاً قليلاً أو زماناً قليلاً إلى حين أجله. «فأمتعه»: شامي { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } ألجئه { إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } المرجـع الذي يصير إليه النار فالمخصوص بالذم محذوف.

{ وَإِذْ يَرْفَعُ } حكاية حال ماضية { إِبْرٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ } هي جمع قاعدة وهي الأساس والأصل لما فوقه وهي صفة غالبة ومعناها الثابتة. ورفع الأساس البناء عليها لأنها إذا بنى عليها نقلت عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع وتطاولت بعد التقاصر. { مِنَ ٱلْبَيْتِ } بيت الله وهو الكعبة { وَإِسْمَـٰعِيلُ } هو عطف على إبراهيم وكان ابراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة { رَبَّنَا } أي يقولان ربنا. وهذا الفعل في محل النصب على الحال وقد أظهره عبد الله في قراءته ومعناه يرفعانها قائلين ربنا { تَقَبَّلْ مِنَّا } تقربنا إليك ببناء هذا البيت { إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ } لدعائنا { ٱلْعَلِيمُ } بضمائرنا ونياتنا.

السابقالتالي
2 3 4