الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } * { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

{ مَن كَانَ عَدُوّا لّلَّهِ وَمَلـٰئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ } بصري وحفص. و «ميكائل» باختلاس الهمزة كـ «ميكاعل»: مدني. و«ميكائيل» بالمد وكسر الهمزة مشبعة: غيرهم. وخص الملكان بالذكر لفضلهما كأنهما من جنس آخر إذ التغاير في الوصف ينزل منزلة التغاير في الذات. { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَـٰفِرِينَ } أي لهم فجاء بالظاهر ليدل على أن الله إنما عاداهم لكفرهم، وأن عداوة الملائكة كفر كعداوة الأنبياء ومن عاداهم عاداه الله { وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ءايَـٰتٍ بَيِّنَـٰتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ ٱلْفَـٰسِقُونَ } المتمردون من الكفرة واللام للجنس والأحسن أن تكون إشارة إلى أهل الكتاب. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ابن صوريا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آية فنتبعك بها فنزلت الواو في { أَوَكُلَّمَا } الواو للعطف على محذوف تقديره أكفروا بالآيات البينات. وكلما { عَـٰهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ } نقضه ورفضه وقال { فَرِيقٌ مّنْهُمُ } لأن منهم من لم ينقض { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } بالتوراة وليسوا من الدين في شيء فلا يعدون نقض المواثيق ذنباً ولا يبالون به. { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ } محمد صلى الله عليه وسلم { مُصَدّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } أي التوراة والذين أوتوا الكتاب اليهود { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ } يعني التوراة لأنهم بكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم المصدق لما معهم كافرون بها نابذون لها، أو كتاب الله القرآن نبذوه بعد ما لزمهم تلقيه بالقبول. { وَرَاء ظُهُورِهِمْ } مثل لتركهم وإعراضهم عنه مثل بما يرمى به وراء الظهور استغناء عنه وقلة التفات إليه { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أنه كتاب الله.

{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ } أي نبذ اليهود كتاب الله واتبعوا كتب السحر والشعوذة التي كانت تقرؤها { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } أي على عهد ملكه في زمانه، وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون إلى ما يسمعوا أكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة وقد دونوها في كتب يقرأونها ويعلمونها الناس، وفشا ذلك في زمن سليمان عليه السلام حتى قالوا: إن الجن تعلم الغيب وكانوا يقولون هذا علم سليمان وما تم لسليمان ملكه إلا بهذا العلم وبه سخر الجن والإنس والريح. { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ } تكذيب للشياطين ودفع لما بهتت به سليمان من اعتقاد السحر والعمل به { وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ } هم الذين { كَفَرُواْ } باستعمال السحر وتدوينه. و«لكن» بالتخفيف «الشياطين» بالرفع: شامي وحمزة وعلي.

{ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ } في موضع الحال أي كفروا معلمين الناس السحر قاصدين به إغواءهم وإضلالهم { وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ } الجمهور على أن «ما» بمعنى «الذي» هو نصب عطف على «السحر» أي ويعلمونهم ما أنزل على الملكين أو على «ما تتلوا» أي واتبعوا ما أنزل على الملكين { بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ } علمان لهما وهما عطف بيان للملكين، والذي أنزل عليهما هو علم السحر ابتلاء من الله للناس من تعلمه منهم وعمل به كان كافراً إن كان فيه رد ما لزم في شرط الإيمان، ومن تجنبه أو تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه لئلا يغتر به كان مؤمناً، قال الشيخ أبو منصور الماتريدي رحمه الله: القول بأن السحر على الإطلاق كفر خطأ بل يجب البحث عن حقيقته، فإن كان في ذلك رد ما لزم في شرط الإيمان فهو كفر وإلا فلا.

السابقالتالي
2 3