الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } * { جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } * { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً }

{ إِلاَّ مَن تَابَ } رجع عن كفره { وَآمَنَ } بشرطه { وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً } بعد إيمانه { فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } بضم الياء وفتح الخاء: مكي وبصري وأبو بكر { وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } أي لا ينقصون شيئاً من جزاء أعمالهم ولا يمنعونه بل يضاعف لهم أو لا يظلمون شيئاً من الظلم { جَنَّـٰتُ } بدل من { الجنة } لأن الجنة تشتمل على جنات عدن لأنها جنس أو نصب على المدح { عَدْنٍ } معرفة لأنها علم لمعنى العدن وهو الإقامة أو علم لأرض الجنة لكونها مقام إقامة { ٱلَّتِى وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ } أي عباده التائبين المؤمنين الذين يعملون الصالحات كما سبق ذكرهم ولأنه أضافهم إليه وهو للاختصاص وهؤلاء أهل الاختصاص { بِٱلْغَيْبِ } أي وعدها وهي غائبة عنهم غير حاضرة أو هم غائبون عنها لا يشاهدونها { إِنَّهُ } ضمير الشأن أو ضمير الرحمن { كَانَ وَعْدُهُ } أي موعوده وهو الجنة { مَأْتِيّاً } أي هم يأتونها { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا } في الجنة { لَغْواً } فحشاً أو كذباً أو ما لا طائل تحته من الكلام وهو المطروح منه، وفيه تنبيه على وجوب تجنب اللغو واتقائه حيث نزه الله عنه داره التي لا تكليف فيها { إِلاَّ سَلَـٰماً } أي لكن يسمعون سلاماً من الملائكة أو من بعضهم على بعض، أو لا يسمعون فيها إلا قولاً يسلمون فيه من العيب والنقيصة فهو استثناء منقطع عند الجمهور. وقيل: معنى السلام هو الدعاء بالسلامة ولما كان أهل دار السلام أغنياء عن الدعاء بالسلامة، كان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الإكرام { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } أي يؤتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار من الدنيا إذ لا ليل ولا نهار، ثم لأنهم في النور أبداً وإنما يعرفون مقدار النهار برفع الحجب ومقدار الليل بإرخائها. والرزق بالبكرة والعشي أفضل العيش عند العرب فوصف الله جنته بذلك. وقيل أراد دوام الرزق كما تقول «أنا عند فلان بكرة وعشياً» تريد الدوام.