الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

{ مَا كَانَ للَّهِ } ما ينبغي له { أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } جيء بـ { من } لتأكيد النفي { سُبْحَـٰنَهُ } نزه ذاته عن اتخاذ الولد { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } بالنصب شامي أي كما قال: لعيسى كن فكان من غير أب ومن كان متصفاً بهذا كان منزها أن يشبه الحيوان الوالد { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } بالكسر شامي وكوفي على الابتداء وهو من كلام عيسى يعني كما أنا عبده فأنتم عبيده، علي وعليكم أن نعبده. ومن فتح عطف على { بالصلاة } أي وأوصاني بالصلاة وبالزكاة وبأن الله ربي وربكم، أو علقه بما بعده أي لأن الله ربي وربكم فاعبدوه { هَـٰذَا } الذي ذكرت { صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً.

{ فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ } الحزب الفرقة المنفردة برأيها عن غيرها وهم ثلاث فرق: نسطورية ويعقوبية وملكانية { مِن بَيْنِهِمْ } من بين أصحابه أو من بين قومه أو من بين الناس، وذلك أن النصارى اختلفوا في عيسى حين رفع ثم اتفقوا على أن يرجعوا إلى قول ثلاثة كانوا عندهم أعلم أهل زمانهم وهم: يعقوب ونسطور وملكان. فقال يعقوب: هو الله هبط إِلى الأرض ثم صعد إلى السماء. وقال: نسطور كان ابن الله أظهره ما شاء ثم رفعه إليه. وقال الثالث: كذبوا كان عبداً مخلوقاً نبياً فتبع كل واحد منهم قوم { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } من الأحزاب إذ الواحد منهم على الحق { مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } هو يوم القيامة أو من شهودهم هول الحساب والجزاء في يوم القيامة، أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وأن تشهد عليهم

الملائكة والأنبياء وجوارحهم بالكفر، أو من مكان الشهادة أو وقتها، أو المراد يوم اجتماعهم للتشاور فيه وجعله عظيماً لفظاعة ما شهدوا به في عيسى { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } الجمهور على أن لفظه أمر ومعناه التعجب والله تعالى لا يوصف بالتعجب ولكن المراد أن إسماعهم وإبصارهم جدير بأن يتعجب منهما بعدما كانوا صما وعمياً في الدنيا. قال قتادة: إن عموا وصموا عن الحق في الدنيا فما أسمعهم وما أبصرهم بالهدى يوم لا ينفعهم! و { بهم } مرفوع المحل على الفاعلية «كأكرم بزيد» فمعناه كرم زيد جداً { لَـٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلْيَوْمَ } أقيم الظاهر مقام المضمر أي لكنهم اليوم في الدنيا بظلمهم أنفسهم حيث تركوا الاستماع والنظر حين يجدي عليهم ووضعوا العبادة في غير موضعها { فِى ضَلَـٰلٍ } عن الحق { مُّبِينٌ } ظاهر وهو اعتقادهم عيسى إلٰهاً معبوداً مع ظهور آثار الحدث فيه إشعاراً بأن لا ظلم أشد من ظلمهم.