الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } * { فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً }

{ وَهْزِّي } حركي { إِلَيْكَ } إلى نفسك { بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } قال أبو علي: الباء زائدة أي هزي جذع النخلة.

{ تُسَـٰقِطْ عَلَيْكِ } بإدغام التاء الأولى في الثانية: مكي ومدني وشامي وأبو عمرو وعلي وأبو بكر، والأصل تتساقط بإظهار التاءين { وتساقط } بفتح التاء والقاف وطرح التاء الثانية وتخفيف السين: حمزة. و { يساقط } بفتح الياء والقاف وتشديد السين: يعقوب وسهل وحماد ونصير. و { تساقط } حفص من المفاعلة. و { تُسقِطْ } و { يُسقِطْ } وتَسقُطْ ويَسقُطْ التاء للنخلة والياء للجذع فهذه تسع قراءات { رُطَباً } تمييز أو مفعول به على حسب القراءة { جَنِيّاً } طرياً وقالوا: التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت. وقيل: ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض من العسل { فَكُلِى } من الجني { وَٱشْرَبِى } من السري { وَقَرّى عَيْناً } بالولد الرضي و { عينا } تمييز أي طيبي نفساً بعيسى وارفضي عنك ما أحزنك { فَإِمَّا } أصله إن ما فضمت إن الشرطية إلى ما وأدغمت فيها { تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِى إِنّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً } أي فإن رأيت آدمياً يسألك عن حالك فقولي إني نذرت للرحمن صمتاً وإمساكاً عن الكلام، وكانوا يصومون عن الكلام كما يصومون عن الأكل والشرب. وقيل: صياماً حقيقة وكان صيامهم فيه الصمت فكان إلتزامُه إلتزامَه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الصمت فصار ذلك منسوخاً فينا. وإنما أمرت أن تنذر السكوت لأن عيسى عليه السلام يكفيها الكلام بما يبرىء به ساحتها ولئلا تجادل السفهاء، وفيه دليل على أن السكوت عن السفيه واجب وما قُدعَ سفيه بمثل الإعراض ولا أطلق عنانه بمثل العراض. وإنما أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة وقد تسمى الإشارة كلاماً وقولاً ألا ترى أن قول الشاعر في وصف القبور

وتكلمت عن أوجه تبلى   
وقيل: كان وجوب الصمت بعد هذا الكلام أو سوغ لها هذا القدر بالنطق { فَلَنْ أُكَلّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } آدميا.