الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } * { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } * { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } * { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً }

{ وَبَرّا بِوٰلِدَيْهِ } وباراً بهما لا يعصيهما { وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً } متكبراً { عَصِيّاً } عاصياً لربه { وَسَلَـٰمٌ عَلَيْهِ } أمان من الله له { يَوْمَ وُلِدَ } من أن يناله الشيطان { وَيَوْمَ يَمُوتُ } من فتاني القبر { وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً } من الفزع الأكبر. قال ابن عيينة: إنها أوحش المواطن.

{ وَٱذْكُرْ } يا محمد { فِى ٱلْكِتَـٰبِ } القرآن { مَرْيَمَ } أي اقرأ عليهم في القرآن قصة مريم ليقفوا عليها ويعلموا ما جرى عليها { إِذْ } بدل من مريم بدل اشتمال إذ الأحيان مشتملة على ما فيها وفيه أن المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا لوقوع هذه القصة العجيبة فيه { ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا } أي اعتزلت { مَكَاناً } ظرف { شَرْقِياً } أي تخلت للعبادة في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس أو من دارها معتزلة عن الناس. وقيل: قعدت في مشرقه للاغتسال من الحيض { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً } جعلت بينها وبين أهلها حجاباً يسترها لتغتسل وراءه { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا } جبريل عليه السلام والإضافة للتشريف، وإنا سمي روحاً لأن الدين يحيا به وبوحيه { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً } أي فتمثل لها جبريل في صورة آدمى شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر { سَوِيّاً } مستوى الخلق. وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه ولو بدا لها في صورة الملائكة لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه { قَالَتْ إِنّى أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } أي إن كان يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك.