الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } * { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } * { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } * { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } * { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً }

{ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا } من هذه الزينة { صَعِيداً } أرضاً ملساء { جُرُزاً } يابساً لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة، والمعنى نعيدها بعد عمارتها خراباً بإماتة الحيوان وتجفيف النبات والأشجار وغير ذلك.

ولما ذكر من الآيات الكلية تزيين الأرض بما خلق فوقها من الأجناس التي لا حصر لها وإزالة ذلك كله كأن لم يكن قال: { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ } يعني أن ذلك أعظم من قصة أصحاب الكهف وإبقاء حياتهم مدة طويلة، والكهف: الغار الواسع في الجبل والرقيم اسم كلبهم أو قريتهم أو اسم كتاب كتب في شأنهم أو اسم الجبل الذي فيه الكهف { كَانُواْ مِنْ ءايَـٰتِنَا عَجَبًا } أي كانوا آية عجباً من آياتنا وصفاً بالمصدر أو على ذات عجب { إِذْ } أي اذكر إذ { أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رحمةً } أي رحمة من خزائن رحمتك وهي المغفرة والرزق والأمن من الأعداء { وَهَيّىء لَنَا مِنْ أَمْرِنَا } أي الذي نحن عليه من مفارقة الكفار { رَشَدًا } حتى نكون بسببه راشدين مهتدين، أو اجعل أمرنا رشداً كله كقولك «رأيت منك أسداً»أو يسر لنا طريق رضاك { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ ءاذَانِهِمْ فِى ٱلْكَهْفِ } أي ضربنا عليها حجاباً من النوم يعني أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأَصوات فحذف المفعول الذي هو الحجاب { سِنِينَ عَدَدًا } ذوات عدد فهو صفة لسنين. قال الزجاج: أي تعد عدداً لكثرتها لأن القليل يعلم مقداره من غير عدد فإذا كثر عُدَّ فأمادراهم معدودة } [يوسف: 20] فهي على القلة لأنهم كانوا يعدون القليل ويزنون الكثير { ثُمَّ بَعَثْنَـٰهُمْ } أيقظناهم من النوم { لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ } المختلفين منهم في مدة لبثهم لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك وذلك قوله { قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } وكان الذين قالوا { ربكم أعلم بما لبثتم } هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول، أو أي الحزبين المختلفين من غيرهم { أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَدًا } غاية. و { أحصى } فعل ماض و { أمدا } ظرف لـ { أحصى } أو مفعول له، والفعل الماضي خبر المبتدأ وهو ـ أي والمتبدأ مع خبره ـ سد مسد مفعولي «نعلم». والمعنى أيهم ضبط أمداً لأوقات لبثهم وأحاط علماً بأمد لبثهم؟ ومن قال: «أحصى» أفعل من الإحصاء وهو العد فقد زل لأن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس. وإنما قال: { لنعلم } مع أنه تعالى لم يزل عالماً بذلك، لأن المراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم ليزدادوا إيماناً واعتباراً، وليكون لطفاً لمؤمني زمانهم، وآية بينة لكفاره. أو المراد لنعلم اختلافهما موجوداً كما علمناه قبل وجوده.