الرئيسية - التفاسير


* تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } * { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } * { وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } * { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } * { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً } * { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً }

{ قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ } هذا إشارة إلى السؤال الثالث أي هذا الاعتراض سبب الفراق، والأصل هذا فراق بيني وبينك، وقد قرىء به فأضيف المصدر إلى الظرف كما يضاف إلى المفعول به { سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَـٰكِينَ يَعْمَلُونَ فِى ٱلْبَحْرِ } قيل: كانت لعشرة أخوة خمسة منهم زمنى وخمسة يعلمون في البحر { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } أجعلها ذات عيب { وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ } أمامهم أو خلفهم وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبره فأعلم الله به الخضر وهو جلندي { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } أي يأخذ كل سفينة صالحة لا عيب فيها غصباً وإن كانت معيبة تركها، وهو مصدر أو مفعول له. فإن قلت: قوله: { فأردت أن أعيبها } مسبب عن خوف الغصب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب. قلت: المراد به التأخير وإنما قدم للعناية.

{ وَأَمَّا ٱلْغُلَـٰمُ } وكان اسمه الحسين { فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَـٰناً وَكُفْراً } فخفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين طغياناً عليهما وكفرا لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه ويلحق بهما شراً وبلاء، أو يعديهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدا بسببه وهو من كلام الخضر. وإنما خشي الخضر منه ذلك لأنه تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سر أمره وإن كان من قول الله تعالى، فمعنى { فخشينا } فعلمنا إن عاش أن يصير سبباً لكفر والديه { فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا } { يبَدِّلهما ربهما } مدني وأبو عمرو { خَيْراً مّنْهُ زَكَـوٰةً } طهارة ونقاء من الذنوب { وَأَقْرَبَ رُحْماً } رحمة وعطفا، و { زكاة } و { رحما } تمييز. روي أنه ولدت لهما جارية تزوجها نبي فولدت نبياً أو سبعين نبياً أو أبدلهما ابناً مؤمناً مثلهما شامي وهما لغتان { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَـٰمَيْنِ } أصرم وصريم { يَتِيمَيْنِ فِى ٱلْمَدِينَةِ } هي القرية المذكورة { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا } أي لوح من ذهب مكتوب فيه: عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، لا إلٰه إلا الله محمد رسول الله. أو مال مدفون من ذهب وفضة أو صحف فيها علم والأول أظهر. وعن قتادة: أحل الكنز لمن قبلنا وحرم علينا، وحرمت الغنيمة عليها وأحلت لنا. { وَكَانَ أَبُوهُمَا } قيل: جدهما السابع { صَـٰلِحاً } ممن يصحبني. وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما أنه قال لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما: بم حفظ الله الغلامين؟ قال: بصلاح أبيهما. قال: فأبي وجدي خير منه { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا } أي الحلم { وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً } مفعول له أو مصدر منصوب بـ { أراد ربك } لأنه في معنى رحمهما { مّن رَّبّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ } وما فعلت ما رأيت { عَنْ أَمْرِى } عن اجتهادي وإنما فعلته بأمر الله والهاء تعود إلى الكل أو إلى الجدار { ذٰلِكَ } أي الأجوبة الثلاثة { تَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً } حذف التاء تخفيفاً.

السابقالتالي
2